عزوجل ـ ردّد ذكر قصة موسى وهود وهارون وشعيب وابراهيم ولوط وعاد وثمود وكذلك ذكر الجنة والنار وأمور كثيرة ، لأنّه خاطب جميع الأمم» (١). فالتكرار محمود إذا جاء في الموضع الذي يقتضيه وتدعو الحاجة اليه ، ولذلك فرّق الخطّابي بين المحمود والمذموم فقال : «وأما ما عابوه من التكرار فأنّ تكرر الكلام على ضربين :
أحدهما : مذموم وهو ما كان مستغنى عنه غير مستفاد به زيادة معنى لم يستفيدوه بالكلام الأول لأنه حينئذ يكون فضلا من القول ولغوا ؛ وليس في القرآن شيء من هذا النوع.
والضرب الآخر : ما كان بخلاف هذه الصفة ؛ فان ترك التكرار في الموضع الذي يقتضيه وتدعو الحاجة اليه فيه بازاء تكلف الزيادة في وقت الحاجة الى الحذف والاختصار ، وإنما يحتاج اليه ويحسن استعماله في الأمور المهمة التي قد تعظم العناية بها ويخاف بتركه وقوع الغلط والنسيان فيها والاستهانة بقدرها (٢).
ويأتي الاطناب بالتكرير لنكتة كتأكيد انذار في قوله تعالى : (كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ. ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ)(٣) وفي (ثُمَ) دلالة على أنّ إنذار الثاني أبلغ وأشد.
وكزيادة التنبيه على ما ينفي التهمة ليكمل تلقي الكلام بالقبول كما في قوله تعالى : (وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ. يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ)(٤).
وقد يكرر اللفظ لطول الكلام كما في قوله تعالى : (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا ، إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ)(٥).
وقد يكرر لتعدد المتعلق كما كرره الله تعالى من قوله في سورة الرحمن : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (الرّحمن الآية ١٣) لأنّه ـ تعالى ـ ذكر نعمة بعد نعمة ، وعقّب كل نعمة بهذا القول ؛ والغرض من ذكره عقيب نعمة غير الغرض من ذكره عقيب نعمة أخرى. وقد يأتي للتهويل والتخويف وغير ذلك (٦).
الإطناب بالتّكميل :
قال الباقلاني : «ومن البديع التكميل والتتميم وهو أن يأتي بالمعنى الذي بدأ به بجميع المعاني المصححة المتممة لصحته المكملة لجودته من غير أن يخلّ ببعضها ولا أن يغادر شيئا منها» (٧) كقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ ، وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً ، وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ) ثم قال : (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)(٨). وقول نافع بن خليفة :
__________________
(١) البيان ج ١ ص ١٠٥.
(٢) بيان إعجاز القرآن ص ٤٧.
(٣) التكاثر ٣ ـ ٤.
(٤) غافر ٣٨ ـ ٣٩.
(٥) النحل ١١٩.
(٦) تأويل مشكل القرآن ص ١٨٠ ، إعجاز القرآن ص ١٦٠ ، زهر الآداب ج ١ ص ١٦٤ ، العمدة ج ١ ص ٧٣ ، سر الفصاحة ص ١١٣ ، الوافي ص ٢٨٢ ، قانون البلاغة ص ٤١٠ ، ٤٥٠ ، البديع في نقد الشعر ص ١٩١ ، الرسالة العسجدية ص ١٥٥ ، المثل السائر ج ٢ ص ١٢٩ ، ١٥٧ ، الجامع الكبير ص ٢٠٤ ، تحرير التحبير ص ٣٧٥ ، بديع القرآن ص ١٥١ ، المصباح ص ١٠٥ ، الأقصى القريب ص ٩٠ ، ١١٩ ، جوهر الكنز ص ١٤٧ ، الفوائد ص ١١١ ، الايضاح ص ٢٠٠ ، شروح التلخيص ج ٣ ص ٢١٨ ، المطول ص ٢٩٢ ، البرهان ج ٣ ص ٨ ، خزانة الأدب ص ١٦٤ ، الاتقان ج ٢ ص ٦٦ ، شرح عقود الجمان ص ٧٢ ، الأطول ج ٢ ص ٤٣ ، أنوار الربيع ج ٥ ص ٣٤٥ ، نفحات الأزهار ص ١٥٧ ، شرح الكافية ص ١٣٤.
(٧) إعجاز القرآن ص ١٤٣.
(٨) لقمان ٣٤.