وقول ابن الفارض :
كأني هلال الشّكّ لو لا تأوّهي |
خفيت فلم تهد العيون لرؤيتي |
وقول مجنون ليلى :
ألا إنّما غادرت يا أمّ مالك |
صدى أينما تذهب به الريح يذهب |
وقول بشار :
في حلّتي جسم فتى ناحل |
لو هبّت الريح به طاحا |
افتتاحات الكلام :
هي الابتداء أو حسن الابتداء أو حسن الافتتاح ، وهذه تسمية التنوخي الذي قال : «وأما افتتاحات الكلام وخواتمه فينبغي لمن نظم شعرا أو ألف خطبة أو كتابا أن يفتتحه بما يدل على مقصوده منه ويختمه بما يشعره بانقضائه ، وأن يقصد ما يروق من الالفاظ والمعاني لاستمالة سامعيه اليه» (١).
الافتنان :
يفنن الرجل الكلام أي يشتق في فن بعد فن ، ورجل مفنّ : يأتي بالعجائب وامرأة مفنّة ، وافتنّ الرجل في حديثه وفي خطبته إذا جاء بالأفانين وهو مثل أشتق. وافتن الرجل في كلامه : اذا توسع وتصرف ، وافتن : أخذ في فنون من القول (٢).
والافتنان من الفنون التي ابتدعها المصري وقال عنه : «أن يفتن المتكلم فيأتي بفنين متفاوتين من فنون الكلام في بيت واحد أو جملة واحدة مثل النسيب والحماسة والهجاء والهناء والعزاء» (٣). كقوله تعالى : (ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا)(٤) فقد جمعت هذه اللفظات التي هي بعض آية الوعد والوعيد والتبشير والتحذير. وقوله : (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ. وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ)(٥).
فقد جمعت هاتان الآيتان التعزية والفخر.
ومنه قول عبد الله بن طاهر بن الحسين.
أحبك يا ظلوم وأنت عندي |
مكان الروح من جسد الجبان |
|
ولو أني أقول مكان روحي |
خشيت عليك بادرة الطعان |
وقول أبي نواس للعباس بن الفضل بن الربيع يعزيه بالرشيد ويهنئه بالأمين :
تعزّ أبا العباس عن خير هالك |
بأكرم حيّ كان أو من هو كائن |
|
حوادث أيام تدور صروفها |
لهنّ مساوي مرة ومحاسن |
|
وفي الحي بالميت الذي غيّب الثرى |
فلا أنت مغبون ولا الموت غابن |
فقد جمع بين التعزية والتهنئة.
ولم يخرج الآخرون كالحلبي والنويري والسبكي والحموي والسيوطي والمدني (٦) عن هذه الدلالة والأمثلة وإن زاد المدنّي أمثلة أخرى ، من ذلك قول عنترة الذي ذكر النسيب والحماسة في قوله :
إن تغد في دوني القناع فانّني |
طبّ بأخذ الفارس المستلئم (٧) |
__________________
(١) الأقصى القريب ص ٨٥.
(٢) اللسان (فنن).
(٣) تحرير التحبير ص ٥٨٨ ، بديع القرآن ص ٢٩٥.
(٤) مريم ٧٢.
(٥) الرحمن ٢٦ ـ ٢٧.
(٦) حسن التوسل ص ٣٠٩ ، نهاية الارب ج ٧ ص ١٧٣ ، عروس الافراح ج ٤ ص ٤٧٠ ، خزانة ص ٦١ ، معترك ج ١ ص ٣٨٨ ، الاتقان ج ٢ ص ٨٧ ، شرح عقود الجمان ص ١٣٦ ، أنوار الربيع ج ١ ص ٣٢٠ ، نفحات ص ٢٣٦ ، شرح الكافية ص ٩٨.
(٧) أغدقت المرأة القناع على وجهها ؛ أرسلته.
المستلئم ؛ الذي ليس لأمة الحرب وهي الدرع.