المحتاج : «جئتك لأسلّم عليك ولأنظر الى وجهك الكريم» ، قال الشاعر :
أروح لتسليم عليك واغتدي |
وحسبك مني بالسلام تقاضيا |
الرابع : للملامة والتوبيخ كقوله تعالى : (وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ. بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ؟)(١) والذنب للوائد دون المؤودة ولكن جعل السؤال لها إهانة للوائد وتوبيخا على ما ارتكبه ، ومنه قوله تعالى لعيسى ـ عليهالسلام ـ : (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ؟)(٢) ولا ذنب لعيسى وإنّما هو تعريض بمن عبدهما ، لكنه عدل من خطابهم إهانة لهم وتوبيخا.
الخامس : للاستدراج كقوله تعالى : (لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ)(٣) لم يقل : «عما تجرمون» احترازا عن التصريح بنسبة الجرم اليهم وأكتفاء بالتعريض في قوله (عَمَّا أَجْرَمْنا.)
السادس : للاحتراز عن المخاشنة والمفاحشة كما تقول معرّضا بمن يؤذي المسلمين : «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده».
وقال المدني بعد أن ذكر هذه الاغراض : «وأجمع العلماء على أنّ التعريض أرجح من التصريح لوجوه :
أحدها : أنّ النفس الفاضلة لميلها الى استنباط المعاني تميل الى التعريض شغفا باستخراج معناه بالفكر.
ثانيها : أنّ التعريض لا ينتهك معه سجف الهيبة ولا يرتفع به ستر الحشمة.
ثالثها : أنّه ليس للتصريح إلا وجه واحد ، وللتعريض وجوه وطرق عديدة.
رابعها : أنّ النهي صريحا يدعو الى الاغراء بخلاف التعريض كما يشهد به الوجدان» (٤).
التّعريف والتّنكير :
المعرفة ما دلّ على شيء بعينه ، والنكرة ما دل على شيء لا بعينه. وأقسام المعرفة المضمر ، والعلم ، واسم الاشارة ، والاسم الموصول ، والمعرف بالالف واللام ، والمضاف الى واحد منها اضافة معنوية. وتتفاوت النكرات أيضا في مراتب التنكير وكلما ازدادت النكرة عموما زادت ابهاما في الوضع (٥).
ويدخل التعريف على المسند اليه لأنّ الاصل فيه أن يكون معرفة لأنّه المحكوم عليه ، والحكم على المجهول لا يفيد ، ولذلك فانه يعرّف لتكون الفائدة أتم ، لأنّ احتمال تحقق الحكم متى كان أبعد كانت الفائدة في الاعلام به أقوى ، ومتى كان أقرب كانت أضعف.
والتعريف مختلف ، ويكون بوسائل هي :
الاول : الإضمار ، وذلك إذا كان المقام مقام التكلم كقول بشار :
أنا المرعّث لا أخفى على أحد |
ذرّت بي الشمس للقاصي وللداني (٦) |
أو كان المقام مقام الخطاب كقول الحماسية أمامة مخاطبة ابن الدمينة :
وأنت الذي أخلفتني ما وعدتني |
واشمتّ بي من كان فيك يلوم |
أو كان المقام الغيبة كقوله تعالى : (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى)(٧) أي : العدل. وقول الشاعر :
__________________
(١) التكوير ٨ ـ ٩.
(٢) المائدة ١١٦.
(٣) سبأ ٢٥.
(٤) أنوار الربيع ج ٦ ص ٦٧ ، وينظر نفحات ص ٢٧٧ ، شرح الكافية ص ٢٥٠.
(٥) البرهان الكاشف ص ١٣٣ ، التبيان ص ٥٠ ، الطراز ج ٢ ص ١١.
(٦) المرعث : الذي ليس الرعثة وهي القرط. ذرت : طلعت.
(٧) المائدة ٨.