يا عليّ بن حمزة بن عماره |
أنت والله ثلجة في خياره |
وقال عبد القاهر : «لا شبهة في ثقل ذلك في الأكثر ولكنه إذا سلم من الاستكراه لطف وملح» (١). ومما حسن فيه قول ابن المعتز :
وظلّت تدير الراح أيدي جآذر |
عتاق دنانير الوجوه ملاح |
ومما جاء حسنا جميلا قول الخالدي في صفة غلام له :
ويعرف الشعر مثل معرفتي |
وهو على أن يزيد مجتهد |
|
وصيرفيّ القريض وزّان دينا |
ر المعاني الدقاق منتقد |
وأدخل القزويني تتابع الاضافات في شروط فصاحة الكلام ، قال : «وقيل فصاحة الكلام هي خلوصه مما ذكر ، ومن كثرة التكرار والاضافات» (٢). ومن ذلك قول ابن بابك :
حمامة جرعى حومة الجندل اسجعي |
فأنت بمرأى من سعاد ومسمع |
وقال : «وفيه نظر ؛ لأنّ ذلك إن أفضى باللفظ الى الثقل على اللسان فقد حصل الاحتراز عنه وإلا فلا تخل بالفصاحة. وقد قال النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم» (٣). وذكر الأبيات السابقة التي ذكرها عبد القاهر ، وتبعه في ذلك شراح التلخيص (٤).
التّتبيع :
أتبعه الشيء : جعله تابعا له ، والتابع التالي ، وتبعت الشيء وأتبعته مثل ردفته وأردفته واتبعت القوم اذا كانوا قد سبقوك فلحقتهم (٥).
التتبيع من أنواع الاشارة ويسمى التجاوز ، وهو كما قال الحاتمي : «أن يريد الشاعر معنى فلا يأتي باللفظ الدال عليه بل بلفظ تابع له ، فاذا دلّ التابع أبان عن المتبوع» (٦). وأحسن ما قيل في ذلك وأبدعه قول عمر بن أبي ربيعة :
بعيدة مهوى القرط إمّا لنوفل |
أبوها وإمّا عبد شمس وهاشم |
إنّما ذهب الى وصف طول الجيد فلم يذكره بلفظه الخاص به بل أتى بمعنى يدل على طول الجيد وهو قوله : «بعيدة مهوى القرط».
وأبدع من هذا في التتبيع قول امرئ القيس :
ويضحي فتيت المسك فوق فراشها |
نؤوم الضّحى لم تنتطق عن تفضّل |
إنّما أراد أن يذكر ترفّه هذه المرأة وأنّ لها من يكفيها فأتى باللفظ التابع لذلك. وقال ابن رشيق : «أن يزيد الشاعر ذكر الشيء فيتجاوزه ويذكر ما يتبعه في الصفة وينوب عنه في الدلالة عليه. وأول من أشار الى ذلك امرؤ القيس يصف امرأة : ويضحي فتيت المسك ...» فقوله : «يضحي فتيت المسك» تتبيع ، وقوله : «نؤوم الضحى» تتبيع ثان ، وقوله : «لم تنتطق عن تفضل» تتبيع ثالث. وانما أراد أن يصفها بالترف والنعمة وقلة الامتهان في الخدمة وأنّها شريفة مكيفة المؤونة فجاء بما يتبع الصفة ويدلّ عليها أفضل دلالة» (٧).
وقال النابغة وأراد أن يصف طول العنق وتمام الخلقة فيها فذكر القرط إذ كان مما يتبع العنق :
__________________
(١) دلائل الاعجاز ص ٨٢.
(٢) الايضاح ص ٧ ، التلخيص ص ٣١.
(٣) الايضاح ص ٨.
(٤) شروح التلخيص ج ١ ص ١١٣ ، المطول ص ٢٣ ، الاطول ج ١ ص ٢٧.
(٥) اللسان (تبع).
(٦) حلية المحاضرة ج ١ ص ١٥٥.
(٧) العمدة ج ١ ص ٣١٣ ، قراضة الذهب ص ٢٠.