من الضعف والهزال وانتقاع اللون وعلو الصفرة ورثاثة الهيئة وركاكة الحال وحصول القلق والخيبة يضاهي الملابس في اختلاف أحوالها وألوانها (١).
والاستعارة التخييلية مرتبطة بالمكنية بل هي قرينتها خلافا للسكاكي الذي ذهب الى أنّ قرينة المكنية تارة تكون تخييلية كبيت الهذلي : «واذا المنية ...» وتارة تكون تحقيقية أم مستعارة لأمر محقق كما في قوله تعالى : (وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ)(٢). ويتضح ذلك في قوله : «والمصرح بها تنقسم الى تحقيقية وتخييلية ، والمراد بالتحقيقية أن يكون المشبه المتروك متحققا إما حسيا وإما عقليا ، والمراد بالتخييلية أن يكون المشبه المتروك شيئا وهميا محضا لا تحقق له إلا في مجرد الوهم» (٣).
ومعنى ذلك أن لا تلازم بين المكنية والتخييلية عند السكاكي بل يوجد كل منهما بغير الآخر. واستدل على انفراد التخييلية عن المكنية بقول أبي تمام :
لا تسقني ماء الملام فانني |
صبّ قد استعذبت ماء بكائي |
فانه قد توهّم أنّ للملامة شيئا شبيها بالماء فاستعار اسمه استعارة تخييلية غير تابعة للمكنية (٤).
ويتضح في هذه المسألة رأيان :
الأول : رأي السكاكي وهو أنّ قرينة المكنية تارة تكون تخييلية وتارة تكون تحقيقية.
الثاني : رأي القزويني وهو أنّ قرينة المكنية لا تكون إلا تخييلية.
وكان منطلق السكاكي والقزويني أساسا سار عليه البلاغيون المتأخرون في هذه المسألة (٥).
الاستعارة التّرشيحيّة :
الاستعارة التّرشيحيّة أو المرشّحة ، أو المجاز المرشّح (٦) ، هي التي قرنت بما يلائم المستعار منه ، أو هي أن يراعي جانب المستعار ويولي ما يستدعيه ويضم اليه ما يقتضيه (٧) أو كما قال الحلبي : «أما ترشيحها فهو أن ينظر فيها الى المستعار ويراعي جانبه ويوليه ما يستدعيه ويضم ما يقتضيه» (٨).
ومنها قول كثيّر :
رمتني بسهم ريشه الكحل لم يضر |
ظواهر جلدي وهو في القلب جارح |
وقول النابغة :
وصدر أزاح الليل عازب همّه |
تضاعفت الأحزان من كلّ جانب |
المستعار في كل واحد منهما وهو الرمي والازاحة منظور اليه في لفظي السهم والعازب وقول الآخر :
ينازعني ردائي عبد عمرو |
رويدك يا أخا عمرو بن بكر |
|
لي الشطر الذي ملكت يميني |
ودونك فاعتجر منه بشطر |
فانه استعار الرداء للسيف ووصفه بالاعتجار الذي هو وصف الرداء فنظر الى المستعار منه.
ومن ذلك قوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ)(٩) فانه استعار الاشتراء للاختيار وقفاه بالربح والتجارة
__________________
(١) الايضاح ص ٢٨٠ ، الطراز ج ١ ص ٢٣٥.
(٢) هود ٤٤.
(٣) مفتاح العلوم ص ١٧٦.
(٤) مفتاح ص ١٨٣.
(٥) الفوائد ص ٤٩ ، نهاية الارب ج ٧ ص ٥٨ ، شروح التلخيص ج ٤ ص ١٥٣ ، المطوّل ص ٣٨١ ، الاطول ج ٢ ص ١٥٨ ، معترك ج ١ ص ٢٨١ ، الاتقان ج ٢ ص ٤٥ ، شرح عقود الجمان ص ٩٨ ، أنوار الربيع ج ١ ص ٢٥٢ ، التبيان في البيان ص ١٩٠.
(٦) البرهان الكاشف عن إعجاز القرآن ص ١٠١ ، التبيان ص ١٦١.
(٧) نهاية الايجاز ص ٩٢.
(٨) حسن التوسل ص ١٣١.
(٩) البقرة ١٦.