وإلّا فما يبكيه منها وإنّه |
لأوسع مما كان فيه وأرغد |
|
إذا أبصر الدنيا استهلّ كأنّه |
بما سوف يلقى من أذاها يهدّد |
وكان هذا الفنّ في العهود الاولى يأتي سهلا منقادا في البيتين والثلاثة ، وقد يأتي في العشرين كما في قصيدة كثيّر عزّة التي يقول فيها :
خليليّ هذا ربع عزّة فاعقلا |
قلوصيكما ثم احللا حيث حلّت |
|
وما كنت أدري قبل عزّة ما البكا |
ولا موجعات القلب حتى تولّت |
|
هنيئا مريئا غير داء مخامر |
لعزة من أعراضنا ما استحلّت |
|
فما أنا بالداعي لعزة بالجوى |
ولا شامت إن نعل عزّة زلّت |
|
وإنّي وتهيامي بعزّة بعد ما |
تخلّيت مما بيننا وتخلّت |
|
لكا لمرتجي ظلّ الغمامة كلّما |
تبوأ منها للمقيل اضمحلّت |
ولكن المتأخرين أسرفوا في استعماله ، ونظم ابو العلاء ديوانا سماه «اللزوميات» والتزم فيه بهذا الفن كل الالتزام. ومعظم البلاغيين لا يستسيغون الاعنات إذا جاء متكلفا ، وقد قال الخفاجي : «وليس يغتفر للشاعر إذا نظم على هذا الفن لأجل ما ألزم نفسه ما لا يلزمه شيء من عيوب القوافي ؛ لأنه إنما فعل ذلك طوعا واختيارا من غير إلجاء ولا إكراه. ونحن نريد الكلام الحسن على أسهل الطرق وأقرب السبل وليس بنا حاجة الى المتكلف المطرح وإن ادّعى علينا قائله أنّ مشقة نالته وتعبا مرّ به في نظمه» (١).
وفرّق ابن الأثير بين المتكلف وغير المتكلف فقال : «أما المتكلف فهو الذي يأتي بالفكرة والروية وذلك أن ينضى الخاطر في طلبه ويبعث على تتبعه واقتصاص أثره ، وغير المتكلف يأتي مستريحا من ذلك كله ، وهو أن يكون الشاعر في نظم قصيدته أو الخطيب أو الكاتب في انشاء خطبته أو كتابه ، فبينا هو كذلك إذ سنح له نوع من هذه الأنواع بالاتفاق لا بالسعي والطلب. ألا ترى الى قول أبي نواس في مثل هذا الموضع :
اترك الاطلال لا تعبأ بها |
إنّها من كلّ بؤس دانيه |
|
وانعت الراح على تحريمها |
إنّما دنياك دار فانيه |
|
من عقار من رآها قال لي : |
صيدت الشمس لنا في آنيه |
وألحق بهذا الفن تصغير الكلمات الأخيرة من الشعر أو من فواصل الكلام المنثور كقول بعضهم :
عزّ على ليلى بذي سدير |
سوء مبيتي ليلة الضمير |
|
مقضّبا نفسي في طمير |
تنتهز الرعدة في ظهيري |
|
يهفو اليّ الزور من صديري |
ظمآن في ريح وفي مطير |
|
وازر قرّ ليس بالغرير |
من لد ما ظهر الى سحير |
|
حتى بدت لي جبهة القمير |
لأربع خلون من سهير (٢) |
الإغارة :
أغار على القوم إغارة وغارة : دفع عليهم الخيل ، وقيل : الإغارة المصدر والغارة الاسم من الاغارة على
__________________
(١) سر الفصاحة ص ٢١٢.
(٢) المثل السائر ج ١ ص ٢٧٥ : الجامع الكبير ص ٢٦٧.