مقامه «لهم إلف وليس لكم إلاف» مقامه لدلالته عليه.
وقد يحذف ولا يقام شي مقامه كقوله تعالى : (نِعْمَ الْعَبْدُ)(١) أي : «أيوب» ، أو «هو» لدلالة ما قبل الآية وما بعدها عليه. ونحو قوله : (فَنِعْمَ الْماهِدُونَ)(٢) ، أي : نحن.
الاستتباع :
يقال : استتبعه أي طلب اليه أن يتبعه (٣) ، والاستتباع هو المجيء بوجه يستتبع وجها آخر. وقد سمّاه العسكري المضاعفة وقال عنه : «هو أن يتضمن الكلام معنيين : معنى مصرح به ، ومعنى كالمشار اليه» (٤). وسماه ابن منقذ التعليق (٥) ، وتبعه في ذلك المصري الذي قال : «هو أن يأتي المتكلم بمعنى في غرض من أغراض الشعر ثم يعلق معنى به معنى آخر من ذلك الغرض يقتضي زيادة معنى من معاني ذلك الفن كمن يروم مدحا لانسان بالكرم فيعلق بالكرم شيئا يدلّ على الشجاعة بحيث لو أراد أن يخلص ذكر الشجاعة من الكرم لما قدر» (٦) وسماه كذلك ابن مالك والعلوي (٧) ، وسماه الرازي والحلبي والنويري وابن قيم الجوزية «الموجّه» (٨). وهذه تسمية الثعالبي فقد قال عن المتنبي ومحاسن شعره : «ومنها المدح الموجه كالثوب له وجهان ما منهما إلا حسن ، كقوله :
نهبت من الأعمار ما لو حويته |
لهنئت الدنيا بأنّك خالد |
قال ابن جني : لو لم يمدح أبو الطيب سيف الدولة إلا بهذا البيت وحده لكان قد بقي فيه ما لا يخلقه الزمان وهذا هو المدح الموجه ؛ لأنّه بنى البيت على ذكر كثرة ما استباحه من أعمار أعدائه ثم تلقاه من آخر البيت بذكر سرور الدنيا ببقائه واتصال أيامه. وكقوله :
عمر العدوّ إذا لاقاه في رهج |
أقلّ من عمر ما يحوي إذا وهبا |
|
مال كأنّ غراب البين يرقبه |
فكلما قيل هذا مجتد نعبا |
وقوله :
تشرق تيجانه بغرّته |
إشراق ألفاظه بمعناها |
وقوله :
تشرق أعراضهم وأوجههم |
كأنما في نفوسهم شيم (٩) |
وأخذ الوطواط هذه التسمية وقال : «المدح الموجه ، ويقصد بالفارسية ما يحتمل أن يكون على وجهين ، وتكون هذه الصنعة بان يمدح الشاعر ممدوحه بصفة من الصفات الحميدة بحيث يقرن بها صفة حميدة أخرى من صفاته فيحصل بذلك مدح الممدوح على وجهين» (١٠). ومثّل له بقول المتنبي : «نهبت من الاعمار» وسماه السكاكي الاستتباع وقال : «هو المدح بشيء على وجه يستتبع مدحا آخر» (١١) وذكر بيت المتنبي شاهدا. وتبعه في ذلك القزويني والسبكي والتفتازاني والحموي والسيوطي والاسفراييني والمغربي والدمنهوري (١٢). وفرّق
__________________
(١) ص ٣٠ ، ٤٤.
(٢) الذاريات ٤٨.
(٣) اللسان (تبع).
(٤) كتاب الصناعتين ص ٤٢٣.
(٥) البديع في نقد الشعر ص ٥٨.
(٦) تحرير التحبير ص ٤٤٣ ، بديع القرآن ص ١٧١.
(٧) المصباح ص ١٢٣ ، الطراز ج ٣ ص ١٥٩.
(٨) نهاية الايجاز ص ١١٤ ، حسن التوسل ص ٣١٩ ، نهاية الارب ج ٧ ص ١٨١ ، الفوائد ص ١٦٥.
(٩) يتيمة الدهر ج ١ ص ٢٠٠.
(١٠) حدائق السحر ص ١٣١.
(١١) مفتاح العلوم ص ٢٠٢.
(١٢) الايضاح ص ٣٧٤ ، التلخيص ص ٣٨٣ ، عروس الافراح ج ٤ ص ٣٩٦ ، المطول ص ٤٤٢ ، المختصر ج ٤ ص ٣٩٦ ، خزانة الأدب ص ٤١٧ ، شرح عقود الجمان ص ١٢٦ ، الاطول ج ٢ ص ٢١٧ ، مواهب الفتاح ج ٤ ص ٣٩٦ ، حلية اللب ص ١٤٧ ، نفحات ص ٢٩٤.