المعلّمة (١).
وقد تحدث القرطاجني عن ذلك وقال : «إنّ الحذّاق من الشعراء المهتدين بطباعهم المسددة الى ضروب الهيئات التي يحسن بها موقع الكلام من النفس من جهة لفظ أو معنى أو نظم أسلوب ، لما وجدوا النفوس تسأم التمادي على حال واحدة وتؤثر الانتقال من حال الى حال ووجدوها تستريح الى استئناف الأمر بعد الأمر واستجداد الشيء بعد الشيء ووجدوها تنفر من الشيء الذي لم يتناه في الكثرة إذا أخذ مأخذا واحدا ساذجا ولم يتحيل فيما يستجد نشاط النفس لقبوله بتنويعه والافتنان في أنحاء الاعتماد به وتسكن الى الشيء وإن كان متناهيا في الكثرة إذا أخذ من شتى مآخذه التي من شأنها أن يخرج الكلام بها في معاريض مختلفة واحتيل فيما يستجد نشاط النفس لقبوله من تنويعه والامتنان في أنحاء الاعتماد به اعتمدوا في القصائد أن يقسّموا الكلام فيها الى فصول ينحى بكل فصل منها منحى من المقاصد ليكون للنفس في قسمة الكلام الى تلك الفصول والميل بالأقاويل فيها الى جهات شتى من المقاصد ، فالراحة حاصلة بها لافتنان الكلام في شتى مذاهبه المعنوية وضروب مبانيه النظمية واعتنوا باستفتاحات الفصول وجهدوا في أن يهيؤوها بهيئات تحسن بها مواقعها من النفوس وتوقظ نشاطها لتلقي ما يتبعها ويتصل بها ، وصدّروها بالأقاويل الدالة على الهيئات التي من شأن النفوس أن تتهيأ بها عند الانفعالات والتأثرات لأمور سارّة أو فاجعة أو شاجية أو معجبة بحسب ما يليق بغرض الكلام من ذلك وقصدوا أن تكون تلك الأقاويل مبادئ كلام من جهة ما نحي بها من أنحاء الوضع أو محكوما لها بحكم المبادئ وأن وصلها بما قبلها واصل لكونها مستقلة بأنفسها من جهة الوضع الذي يخصّها فيكون استئناف الكلام على ذلك النحو وصوغه على تلك الهيئات مجددا لنشاط النفس ومحسّنا لموقع الكلام منها.
ولما كان اعتماد ذلك في رؤوس الفصول ووجوهها أعلاما عليها وإعلاما بمغزى الشاعر فيها ، وكان لفواتح الفصول بذلك بهاء وشهرة وازديان حتى كأنها بذلك ذوات غرر ، رأيت أن أسمي ذلك بالتسويم ، وهو أن يعلّم على الشيء وتجعل له سيما يتميز بها. وقد كثر استعمال ذلك في الوجوه كالغرر ، كما قال ابن الرومي :
سما سموة نحو السّماء بغرّة |
مسوّمة قدما بسيما سجودها |
فلذلك كان هذا اللقب لائقا بما وضع عليه ، وايضا فانّا سمينا تحلية أعقاب الفصول بالأبيات الحكمية والاستدلالية بالتحجيل ليكون اقتران صنعة رأس الفصل وصنعة عجزه نحوا من اقتران الغرة بالتحجيل في الفرس.
فاذا اطّرد للشاعر أن تكون فواتح فصوله على هذه الصفة واستوسق له الإبداع في وضع مباديها على أحسن ما يمكن من ذلك صارت القصيدة كأنّها عقد مفصّل ، وتألقت لها بذلك غرر وأوضاح وكان اعتماد ذلك فيها أدعى الى ولوع النفس بها وارتسامها في الخواطر لامتياز كل فصل منها بصورة تخصّه» (٢).
التّشابه :
تشابه الشيئان واشتبها : أشبه كلّ واحد منهما صاحبه (٣).
التّشابه : أن يتساوى الطّرفان المشبّه والمشبّه به في جهة التشبيه فيترك التشبيه الى التشابه ليكون كل واحد من الطرفين مشبّها ومشبّها به تفاديا من ترجيح أحد
__________________
(١) اللسان (سوم).
(٢) منهاج البلغاء ص ٢٩٥ وما بعدها.
(٣) اللسان (شبه).