أما والله لو لا خوف سخطك |
لهان عليّ ما ألقى برهطك |
|
ملكت الخافقين فتهت عجبا |
وليس هما سوى قلبي وقرطك |
يحتمل «الخافقين» أن يريد ملك المشرق والمغرب وهو المعنى القريب المورّى به ويحتمل أن يريد قلبه وقرط محبوبته وهو المعنى البعيد المورّى عنه وهو المراد فإنّ الشاعر صرّح بعد «الخافقين» بذكر القلب والقرط (١).
التّورية المجرّدة :
وهي التي لم يذكر فيها لازم من لوازم المورّى به وهو المعنى القريب ولا من لوازم المورّى عنه وهو المعنى البعيد. ومثاله قوله تعالى : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى)(٢) ولم يذكر من لوازم ذلك شي فالتورية مجردة. ومنها قوله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ حين سئل في مجيئه عند خروجه الى بدر فقيل له : مم أنتم؟ فلم يرد أن يعلم السائل فقال : «من ماء» أراد أنّا مخلوقون من ماء ، فورّى عنه بقبيلة يقال لها «ماء».
ومنها قول أبي بكر الصديق ـ رضياللهعنه ـ في الهجرة وقد سئل عن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : من هذا؟ فقال : «هاد يهديني». أراد هاديا يهديني الى الاسلام ، فورّى عنه بهادي الطريق ، وهو الدليل الى السفر (٣).
التّورية المرشّحة :
وهي التي يذكر فيها لازم المورّى به وسمّيت بذلك لتقويتها بذكر لازم المورّى به ، ثم تارة يذكر اللازم قبل لفظ التورية وتارة بعده ، فهي بهذا الاعتبار قسمان :
الأول : هو ما ذكر لازمه قبل لفظ التورية كقوله تعالى : (وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ)(٤) فان قوله (بِأَيْدٍ) يحتمل الجارحة وهو المعنى القريب المورّى به وقد ذكر من لوازمه على جهة الترشيح «البنيان» ، ويحتمل القوة وعظمة الخالق ، وهذا المعنى البعيد المورّى عنه وهو المراد ، فانّ الله تعالى منزّه عن المعنى الأول.
ومنها قول الحماسي :
فلما نأت عنا العشيرة كلّها |
أنخنا فحالفنا السيوف على الدّهر |
|
فما أسلمتنا عند يوم كريهة |
ولا نحن أغضينا الجفون على وتر (٥) |
فإنّ «الإغضاء» مما يلائم جفن العين لا جفن السيف وإن كان المراد به أغماد السيوف ؛ لأنّ السيف إذا اغمد انطبق الجفن عليه واذا جرّد انفتح.
الثاني : هو ما ذكر لازمه بعد لفظ التورية كقول الشاعر :
مذهمت من وجدي في خالها |
ولم أصل منه الى اللّثم |
|
قالت قفوا واستمعوا ما جرى |
خالي قد هام به عمّي |
فالخال يحتمل أن يكون خال النسب وهو المعنى القريب المورّى به وقد ذكر لازمه بعد لفظ التورية على جهة الترشيح وهو العمّ (٦).
__________________
(١) خزانة الادب ص ٣٥٣ ، أنوار الربيع ج ٥ ص ١٠.
(٢) طه ٥.
(٣) المصباح ص ١١٩ ، الايضاح ص ٣٥٣ ، التلخيص ص ٣٦٠ ، شروح التلخيص ج ٤ ص ٣٢٢ ، المطول ص ٤٢٥ ، الاطول ج ٢ ص ١٩٥ ، خزانة ص ٣٥١ ، أنوار الربيع ج ٥ ص ٦.
(٤) الذاريات ٤٧.
(٥) الوتر : الثأر.
(٦) الايضاح ص ٣٥٣ ، التلخيص ص ٣٦٠ ، شروح التلخيص ج ٤ ص ٣٢٢ ، المطول ص ٤٢٥ ، الاطول ج ٢ ص ١٩٥ ، خزانة الأدب ص ٣٥٢ ، أنوار الربيع ج ٥ ص ٩.