فإن تكن الأيّام أحسنّ مرّة |
إليّ فقد عادت لهنّ ذنوب |
فقد ضمن «عادت» معنى «صارت». وليس هذا من المجاز عند الآخرين.
مجاز الحذف :
هو المجاز بالنقصان ، وكان الأوائل كسيبويه والفرّاء قد ذكروه وقالوا إنّه على اتّساع الكلام (١) مثاله أنّ المضاف اليه يكتسب إعراب المضاف في نحو قوله تعالى : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ)(٢). فإنّ الحكم الذي يجب للقرية في الأصل هو الجر ، والنصب فيها مجاز.
ومنه قوله تعالى : (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً)(٣) اي : اختار من قومه ، فانّ الحكم الذي يجب لـ (قَوْمَهُ) هو الجر ، والنصب فيه مجاز.
ولا يسمّى كل حذف مجازا وقد أوضح عبد القاهر ذلك بقوله : «ولا ينبغي أن يقال إنّ وجه المجاز في هذا الحذف فإنّ الحذف اذا تجرد عن تغيير حكم من أحكام ما بقي بعد الحذف لم يسمّ مجازا ، ألا ترى أنّك تقول : «زيد منطلق وعمرو» فتحذف الخبر ثم لا توصف جملة الكلام من أجل ذلك بأنّه مجاز ، وذلك لأنّه لم يؤدّ الى تغيير حكم فيما بقي من الكلام ويزيده تقريرا أنّ المجاز اذا كان معناه أن تجوز بالشيء موضعه وأصله فالحذف بمجرّده لا يستحقّ الوصف به لأنّ ترك الذكر وإسقاط الكلمة من الكلام لا يكون نقلا لها عن أصلها إنّما يتصور النقل فيما دخل تحت النطق. واذا امتنع أن يوصف المحذوف بالمجاز بقي القول فيما لم يحذف. وما لم يحذف ودخل تحت الذكر لا يزول عن أصله ومكانه حتى يغير حكم من أحكامه او يغير عن معانيه ، فاما وهو على حاله والمحذوف مذكور فتوهم ذلك فيه من أبعد المحال فاعرفه» (٤) ونقل الرازي هذا الكلام وسمّى هذا اللون من المجاز «المجاز بالنقصان» (٥) في حين سمّاه الآخرون «مجاز الحذف». وذكر القزويني وشرّاح التلخيص وغيرهم كلام عبد القاهر الذي بالغ في النكير على من أطلق القول بوصف الكلمة بالمجاز بالحذف أو الزيادة (٦).
المجاز الحكميّ :
هو المجاز العقلي وقد تقدّم في المجاز الإسنادي ، وسمّي حكميّا ، لأنّ المجاز ليس في ذوات الكلم وأنفس الألفاظ ولكن في أحكام أجريت عليها (٧).
مجاز الزّيادة :
وهو المجاز الذي يكون بزيادة ، وحكمه كحكم مجاز الحذف أي ليست كل زيادة تعدّ مجازا. وقد أوضح عبد القاهر ذلك بقوله : «واذا صحّ امتناع أن يكون مجرد الحذف مجازا او تحقّ صفة باقي الكلام بالمجاز من أجل حذف كان على الإطلاق دون أن يحدث هناك بسبب ذلك الحكم تغيّر حكم على وجه من الوجوه ، علمت منه أنّ الزيادة في هذه القضية كالحذف فلا يجوز أن يقال إن زيادة «ما» في نحو : (فَبِما رَحْمَةٍ)(٨) مجاز ، أو أنّ جملة الكلام
__________________
(١) الكتاب ج ١ ص ٢١٢ ، ج ٣ ص ٢٤٧ ، معاني القرآن ج ١ ص ٣٦٣ ، ٣٦٩.
(٢) يوسف ٨٢.
(٣) الأعراف ١٥٥.
(٤) أسرار البلاغة ص ٣٨٣ ـ ٣٨٤.
(٥) نهاية الايجاز ص ٥٦.
(٦) الايضاح ص ٣١٨ ، التلخيص ص ٣٣٦ ، شروح التلخيص ج ٤ ص ٢٣١ ، المطول ص ٤٠٥ ، الاطول ج ٢ ص ١٦٦ ، الاتقان ج ٢ ص ٣٦ ، ٤٠ ، شرح عقود الجمان ص ١٠٠ ، حلية اللب ص ١٢٩.
(٧) دلائل الاعجاز ص ٢٢٧ ، مفتاح العلوم ص ١٨٧.
(٨) آل عمران ١٥٩.