من منّة مشهورة وصنيعة |
بكر واحسان أغرّ محجّل |
فالبيت الثاني تداخلت معانيه ؛ إذ المنة والصنيعة والاحسان متقارب بعضه من بعض وليس ذلك بتكرير ؛ لأنّه لو اقتصر على قوله : «منّة وصنيعة واحسان» لجاز أن يكون تكريرا ولكنه وصف كل واحدة من هذه الثلاث بصفة أخرجتها عن حكم التكرير.
الثاني : يسمى النفي والاثبات ؛ وهو أن يذكر الشيء على سبيل النفي ثم يذكر على سبيل الاثبات أو بالعكس ؛ ولا بدّ من أن يكون في أحدهما زيادة ليست في الآخر وإلّا كان تكريرا ؛ والغرض به تأكيد ذلك المعنى المقصود كقوله تعالى : (لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ. إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ)(١) فقد قال : (لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ) ثم قال بعد ذلك : (إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) إلّا أنّه زاد في الثانية قوله : (وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ) ولو لا هذه الزيادة لكان حكم هاتين الآيتين التكرير.
الثالث : هو أن يذكر المعنى الواحد تاما لا يحتاج الى زيادة ثمّ يضرب له مثال من التشبيه كقول البحتري :
ذات حسن لو استزادت |
من الحسن اليه لما أصابت مزيدا |
|
فهي كالشمس بهجة والقضيب |
اللّدن قدّا والريم طرفا وجيدا |
فقد أفاد التشبيه تصويرا وتخييلا لا مزيد على حسنه.
الرابع : أن يستوفي معاني الغرض المقصود من كتاب أو خطبة أو قصيدة وهذا أصعب الأنواع لأنّه يتفرع الى أساليب كثيرة من المعاني (٢).
ولا يخرج كلام المتأخرين عما ذكره السابقون بل سار بعضهم كالعلوى على خطى ابن الاثير وقد أجمعوا على أنّ هذا الفن أسلوب له أهدافه في التعبير ولذلك يقف الى جانب الايجاز والمساواة ؛ لأنّ لكل واحد منها هدفه الذي لا يحققه غيره أحسن تحقيق (٣). وللاطناب عدة أساليب تحدث عنها القدماء وحددوها في ضوء تقسيماتهم لفنون البلاغة.
الإطناب بالاعتراض :
وهو أن يؤتى في أثناء الكلام أو بين كلامين متصلين معنى بجملة أو أكثر لا محلّ لها من الاعراب لنكتة كالتنزيه والتعظيم في قوله تعالى : (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ ـ سُبْحانَهُ ـ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ)(٤).
والدعاء في قول المتنبي :
وتحتقر الدنيا احتقار مجرّب |
يرى كلّ ما فيها ـ وحاشاك ـ فانيا |
وقول عوف بن محلم الشيباني :
إنّ الثمانين ـ وبلّغتها ـ |
قد أحوجت سمعي الى ترجمان |
__________________
(١) التوبة ٤٤ ـ ٤٥.
(٢) المثل السائر ج ٢ ص ١٢٧ ، الجامع الكبير ص ١٤٦.
(٣) الرسالة العسجدية ص ٩٩ ، الأقصى القريب ص ٧٠ ، جوهر الكنز ص ٢٥٦ ، الايضاح ص ١٩٥ ، التلخيص ص ٢١٠ ، الطراز ج ٢ ص ٢٢٩ ، ج ٣ ص ٣١٨ ، الفوائد ص ١٠٦ ، عروس الافراح ج ٣ ص ١٦٠ ، المختصر ج ٣ ص ١٦٣ ، المطول ص ٢٨٢ ، معترك ج ١ ص ٢٩٤ ، ٣٣٣ ، الاتقان ج ٢ ص ٥٣ ، شرح عقود الجمان ص ٩٧ ، الأطول ج ٢ ص ٣٢ ، مواهب الفتاح ج ٣ ص ١٦٣ ، ١٧١ ، حلية اللب ص ٩٩ ، المنزع البديع ص ٣٢٤ ، التبيان في البيان ص ١٢٤.
(٤) النحل ٥٧.