هضيم الحشا لا يملأ الكفّ خصرها |
ويملأ منها كلّ حجل ودملج |
نفي العامّ :
قال التنّوخي : «ومن البيان أنّ نفي العامّ يستلزم نفي الخاصّ وإثبات الخاصّ يستلزم إثبات العامّ فيذكر المستلزم وهو أن يؤتى في النفي بالأعمّ وفي الإثبات بالأخصّ» (١). ومن ذلك قوله تعالى في قصة نوح ـ عليهالسلام ـ (قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ. قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ)(٢). ولم يقل : «ليس بي ضلال» لأنّ نفي الضلالة يستلزم نفي الضلال وهو أبلغ من عكسه ، ولا يرد عليه بعض ضلالة إذ بعض الضلالة ضلالة وعكس ذلك يكون في الاثبات. ومن ذلك قوله تعالى : (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً)(٣). أمر بالعمل الصالح من كان يؤمن بالله وهو جزئي ونهاه أن يشرك به أحدا فاستعمل العامّ بعد النهي ، والأمر إثبات والنهي نفي.
نفي الموضوع :
قال السّيوطي : «هذا النوع أيضا من مخترعاتي وسمّيته نفي الموضوع وهو كثير في الحديث وكلام البلغاء بأن يكون اللفظ موضوعا لمعنى فيصرّح بنفيه عنه ويثبته لغيره مبالغة في ادّعاء ذلك الحكم» (٤).
كقوله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «ليس الشديد بالصرعة إنّما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب» ، وقوله : «ليس الغنى عن كثرة المال ولكن الغنى غنى النفس». وقول الشاعر :
ليس من مات فاستراح بميت |
إنّما الميت ميّت الأحياء |
النّفي والجحود :
النفي والجحود هو تأكيد المدح بما يشبه الذّمّ أو المدح في معرض الذّمّ ، وقد تقدّم. قال المدني : «هذا النوع من مستخرجات ابن المعتزّ وسمّاه قوم تأكيد المدح بما يشبه الذم وآخرون النفي والجحود» (٥).
وأطلقه بعضهم على أحد قسمي التفريع وهو أن يتفرّع من الكلام معنى واحد من أصل واحد إما في بيت أو ابيات وإما في جملة من الكلام أو جمل ، وهو أن يصدّر الشاعر أو المتكلّم كلامه باسم منفي بـ «ما» خاصة ثم يصف الاسم المنفي بمعظم أوصافة اللائقة به إما في الحسن أو القبح ثم يجعله أصلا يفرع منه معنى في جملة من جار ومجرور متعلقة به تعلق مدح أو هجاء أو فخر أو نسيب أو غير ذلك يفهم من مساواة المذكور بالاسم المنفي الموصوف» (٦). كقول الأعشى :
وما روضة من رياض الحزن معشبة |
غنّاء جاد عليها مسبل هطل |
|
يضاحك الشّمس منها كوكب شرق |
مؤزّر بعميم النّبت مكتهل |
|
يوما بأطيب منها طيب رائحة |
ولا بأحسن منها إذ دنا الأصل (٧) |
قال المصري : «وقد سمّى بعض المتأخرين هذا القسم من التفريع النفي والجحود لتقدم حرف النفي على جملته وأكثر ما يقع الأصل في بيت والتفريع منه في بيت آخر إما قريبا منه وإما بعيدا عنه. وقد يقع منه ما يكون الأصل والفرع معا في
__________________
(١) الأقصى القريب ص ٧٧.
(٢) الأعراف ٦٠ ـ ٦١.
(٣) الكهف ١١٠.
(٤) شرح عقود الجمان ص ١٤١.
(٥) أنوار الربيع ج ٦ ص ٢٧.
(٦) تحرير التحبير ص ٣٧٢ ـ ٣٧٣.
(٧) العميم من النبت : التام منه. المكتهل من النبت : المتناهي. الأصل : جمع أصيل ، وهو وقت ما قبل الغروب.