ما سمع قط مدح فقير حتى قال :
على مكثريهم حقّ من يعتريهم |
وعند المقلّين السّماحة والبذل |
ومن الإغراب قسم آخر وهو أن يعمد الشاعر الى معنى متداول معروف ليس بغريب في بابه فيغرب فيه بزيادة لم تقع لغيره ليصير بها ذلك المعنى المعروف غريبا طريفا وينفرد به دون كل من نطق بذلك المعنى من ذلك أنّ تشبيه الحسان بالشمس والبدر متداول معروف ولكنّ أبا تمام تحيّل في زيادة طريفة لم تقع لغيره فقال :
فردّت علينا الشمس والليل راغم |
بشمس لهم من جانب الخدر تطلع |
|
فو الله ما أدري أأحلام نائم |
ألمّت بنا أم كان في الركب يوشع |
فالتشكيك الذي أدخله في كلامه وذكر يوشع بعد إغرابه في التوطئة باخباره بأنّ هذه المرأة ردّت بها الشمس على الرغم من الليل ، نقل المعنى من المعرفة الى الغرابة فاستحق أبو تمام هذا المعنى الطريف دون كل من تناوله.
ومن الإغراب والطرفة نوع لا يكون الاغراب فيه في ظاهر لفظه بل في تأويله وهو الذي إذا حمل على ظاهره كان الكلام به معيبا جدا وإذا تؤول ردّ التأويل الى نمط الكلام الفصيح وأميط من ظاهره حدث العيب فيكون التأويل هو الموصوف بالإغراب لا الظاهر وذلك كقوله تعالى : (حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ)(١) ، فانهم أمسوا كما أصبحوا فتكون لفظة «فأصبحوا» حشوا لا فائدة فيه ، ومثل هذا يتحاشى عنه نظم القرآن (٢).
ومن الغريب الطريف قول أبي تمام :
لا تنكروا ضربي له من دونه |
مثلا شرودا في النّدى والباس |
|
فالله قد ضرب الأقلّ لنوره |
مثلا من المشكاة والنبراس |
ومن لطيف الإغراب وطريفه قول بعضهم :
ظلت تبشّرني عيني إذا اختلجت |
بأن أراك وقد كنّا على حذر |
|
فقلت للعين إمّا كنت صادقة |
إني ببشراك لي من أسعد البشر |
|
فما جزاؤك عندي لست أعرفه |
بلى جزاؤك أن أحبوك بالنظر |
|
وأستر المقلة الأخرى فأحجبها |
عن أن تراك كما لم تأت بالخبر |
ومنه قول الآخر :
وما لبس العشّاق ثوبا من الهوى |
ولا بدّلوا إلا الثياب التي أبلي |
|
وما شربوا كأسا من الحبّ مرّة |
ولا حلوة إلا وشربهم فضلي |
ومنه قول أبي الفتح البستي :
أرأيت ما قد قال لي بدر الدّجى |
لما رأى طرفي يديم سهودا |
|
حتام ترمقني بطرف ساهر |
أقصر فلست حبيبك المفقودا |
الاستفهام :
الفهم : معرفتك الشيء بالقلب ، وفهمت الشيء :
عقلته وعرفته ، وأفهمه الأمر وفهّمه إياه : جعله يفهمه ، واستفهمه : سأله أن يفهمه ، وقد استفهمني الشيء فأفهمته وفهمته تفهيما (٣).
__________________
(١) المائدة ٥٣.
(٢) تحرير ص ٥٠٦ بديع القرآن ص ٢٢٢ ، خزانة الأدب ص ٢٢٣.
(٣) اللسان (فهم).