قوله تعالى : (لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ)(١) ، وقوله : (فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ)(٢). وقول البحتري.
يؤدّون التحية من بعيد |
الى قمر من الايوان باد |
فقد شبه ممدوحه بالقمر ، ومنه تشبيه المتنبي ممدوحه بالشمس في قوله :
أحبّك يا شمس الزمان وبدره |
وإن لامني فيك السّها والفراقد |
الاستعارة بالكناية :
وتسمى المكني عنها أو المكنية وهي التي اختفى فيها لفظ المشبه واكتفى بذكر شيء من لوازمه دليلا عليه كقول أبي ذؤيب الهذلي :
واذا المنية أنشبت أظفارها |
ألفيت كلّ تميمة لا تنفع |
شبّه المنية بالسّبع في اغتيال النفوس وحذف المشبه به وهو السبع وأبقى شيئا من لوازمه وهي الأظفار التي لا يكمل الاغتيال إلا بها.
ومنها قول دعبل الخزاعي :
لا تعجبي يا سلم من رجل |
ضحك المشيب برأسه فبكى |
شبّه المشيب بانسان وحذف المشبه به ورمز اليه بشيء من لوازمه وهو الضحك على سبيل الاستعارة.
وهذا النوع من الاستعارة مقابل للاستعارة التصريحية وهما من تقسيم هذا الفن بحسب الطرفين : المشبه والمشبه به فتارة يحذف المشبه فتكون الاستعارة تصريحية وتارة يحذف المشبه به فتكون مكنية. وكان عبد القاهر قد أشار الى هذين القسمين وإن لم يسمهما كذلك بل قال عن التصريحية : «أن تنقله ـ أي الاسم ـ عن مسماه الاصلي الى شي آخر ثابت معلوم فتجريه عليه وتجعله متناولا له تناول الصفة للموصوف» (٣). ومثّل له بقوله : «رأيت أسدا» أي رجلا شجاعا ، وقولهم : «عنّت لنا ظبية» أي امرأة ، وقوله : «أبديت نورا» أي هدى. فالاسم في هذه الأمثلة متناول شيئا معلوما يمكن أن ينص عليه فيقال إنّه عنى بالاسم وكنى به عن مسماه الاصلي فجعل اسما على سبيل الاعارة والمبالغة في التشبيه.
وقال عن المكنية : «أن يؤخذ الاسم من حقيقته ويوضع موضعا لا يبين فيه شيء يشار اليه فيقال هذا هو المراد بالاسم والذي استعير له وجعل خليفة لاسمه ونائبا منابه» (٤). ومثّل له بقول لبيد :
وغداة ريح قد كشفت وقرّة |
إذ أصبحت بيد الشّمال زمامها |
وذلك أنّه جعل للشمال يدا ، ومعلوم أنّه ليس هناك مشار اليه يمكن أن تجري عليه كاجراء الأسد على الرجل.
وفرّق بين القسمين بقوله : «إنك اذا رجعت في القسم الأول الى التشبيه الذي هو المغزى من كل استعارة تفيد وجدته يأتيك عفوا كقولك في «رأيت أسدا» : رأيت رجلا كالاسد ، أو رأيت مثل الأسد ، أو شبيها بالأسد. وإن رمته في القسم الثاني وجدته لا يواتيك إذ لا وجه لأن تقول : «إذ أصبح شيء مثل اليد للشمال» أو «حصل شبيه باليد للشمال». وانما يتراءى لك التشبيه بعد أن تخرق اليه سترا وتعمل تأملا وفكرا ، وبعد أن تغيّر الطريقة وتخرج عن الحد الأول كقولك : «إذ أصبحت الشمال ولها في قوة تأثيرها في
__________________
(١) ابراهيم ١.
(٢) الشعراء ٢٢٥.
(٣) أسرار البلاغة ص ٤٢.
(٤) أسرار البلاغة ص ٤٢.