الخامس : أن يكون بلا توسط حرف كقول قتادة بن مسلمة الحنفي :
فلئن بقيت لأرحلنّ بغزوة |
تحوي الغنائم أو يموت كريم |
يعني بالكريم نفسه فكأنه انتزع من نفسه كريما مبالغة في كلامه ، ولذلك لم يقل : «أو أموت».
السادس : أن يكون بطريق الكناية كقول الأعشى :
يا خير من يركب المطيّ ولا |
يشرب إلا بكفّ من بخلا |
أي يشرب الكأس بكف جواد ، فقد انتزع من الممدوح جوادا يشرب هو الكأس بكفه على طريق الكناية لأنّه إذا نفى عنه الشرب بكف البخيل فقد أثبت له الشرب بكف كريم ، ومعلوم أنّه يشرب بكفه فهو ذلك الكريم.
السابع : أن يكون بطريق خطاب المرء لنفسه كقول المتنبي :
لا خيل عندك تهديها ولا مال |
فليسعد النطق إن لم تسعف الحال |
كأنه انتزع من نفسه شخصا آخر مثله في فقد الخيل والمال والحال الذي هو الغنى.
وهذه الأقسام التي ذكرها المدني جمعت ما قاله السابقون.
التّجزئة :
الجزء : البعض ، وجزأ الشيء جزء وجزّأه : جعله أجزاء ، وكذلك التجزئة وجزّأ المال بينهم ـ مشدد لا غير ـ قسّمه ، وأجزأ منه جزء أخذه (١).
قال ابن منقذ : التجزئة هو أن يكون البيت مجزأ ثلاثة أجزاء أو أربعة» (٢) كقول المتنبي :
فنحن في جذل والروم في جزل |
والبحر في خجل والبر في شغل |
وقال المصري : «وهو أنّ الشعر ـ يجزىء البيت من الشعر جميعه أجزاء عروضية ويسجعها كلها على رويين مختلفين جزء بجزء الى آخر البيت ، الأول من الجزأين على رويّ مخالف لرويّ البيت ، والثاني على رويّ البيت» (٣) كقول الشاعر :
هندية لحظاتها |
خطية خطراتها |
|
داريّة نفحاتها (٤) |
ومثال الثاني الذي سجع كل ثان من أجزائه زائدا على قافيته قول أبي تمام :
تجلّى به رشدي وأثرت به يدي |
وطاب به ثمدي وأورى به زندي (٥) |
وفرّق بينه وبين التسميط من وجهين :
الأول : تقسيم بيتها الى ثلاثة أجزاء مسجعة إن كان سداسيا أو أربعة مسجعة إن كان ثمانيا.
الثاني : التزام السجع في الأجزاء على قافية البيت.
وفرّق بينه وبين التسجيع فقال : «وبينه وبين التجزئة اختلاف زنة أجزائه ومجيئها على غير عدد محصور معين» (٦).
وقال ابن مالك : «التجزئة أن تأتي مقاطع أجزاء البيت على سجعين متداخلين وأولهما مخالف للروي والثاني على وفقه» (٧).
وسمّاه ابن قيم الجوزية : «التجزيء» : وقال : «هو أن يكون الكلام مجزء ثلاثة أجزاء أو أربعة
__________________
(١) اللسان (جزأ).
(٢) البديع في نقد الشعر ص ٦٣.
(٣) تحرير التحبير ص ٢٩٩.
(٤) الهندية : السيوف. الخطية : الرماح. دارية : نسبة الى دارين أي أن لحاظها كالسيوف فتكا والرماح اعتدالا وكالمسك طيبا.
(٥) الثمد : الماء القليل.
(٦) تحرير ص ٣٠٠.
(٧) المصباح ص ٧٩.