السيوطي (١) ؛ لأنّ الآية لا تشعر بالتفجع كما تشعر بالتعظيم والتفخيم.
استفهام التّفخيم :
مثّل له السيوطي (٢) بقوله تعالى : (ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً)(٣)؟. وكان الزركشي قد ذكر هذه الآية شاهدا للتفجع وليس فيها تفجع.
استفهام التّقرير :
وهو حمل المخاطب على الاقرار والاعتراف بأمر قد استقر عنده. قال ابن جني : «ولا يستعمل ذلك بـ «هل» كما يستعمل بغيرها من أدوات الاستفهام». وقال الكندي : «ذهب كثير من العلماء في قوله تعالى : (هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ)(٤) الى أنّ «هل» تشارك الهمزة في معنى التقرير والتوبيخ». ونقل أبو حيان عن سيبويه أنّ استفهام التقرير لا يكون بـ «هل» انما يستعمل فيه الهمزة ، ثم نقل عن بعضهم أنّ «هل» تأتي تقريرا كما في قوله تعالى : (هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ)(٥). والكلام مع التقرير موجب ولذلك يعطف عليه صريح الموجب ويعطف على صريح الموجب. فالأول كقوله تعالى : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ. وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ)(٦) ، وقوله : (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى. وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى)(٧) ، وقوله : (أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ. وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ)(٨). والثاني كقوله تعالى : (أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً)(٩).
وحقيقة استفهام التقرير أنّه استفهام انكار ، والانكار نفي وقد دخل على النفي ، ونفي النفي اثبات» (١٠).
وقسّم الآمدي التقرير الى ضربين حينما تحدث عن الخطأ في قول أبي تمام :
رضيت وهل أرضى اذا كان مسخطي |
من الأمر ما فيه رضى من له الأمر |
قال : «فمعنى هل في هذا البيت التقرير ، والتقرير على ضربين : تقرير للمخاطب على فعل قد مضى ووقع ، أو على فعل هو في الحال ليوجب المقرر بذلك ويحققه ، ويقتضي من المخاطب في الجواب الاعتراف به ، نحو وقوله : هل أكرمتك؟ هل أحسنت اليك؟ هل أودك وأوثرك؟ هل أقضي حاجتك؟ وتقرير على فعل يدفعه المقرر وينفي أن يكون قد وقع نحو قوله : «هل كان مني اليك قط شيء كرهته»؟ و «هل عرفت مني غير الجميل»؟ فقوله في البيت : «وهل أرضى» تقرير لفعل ينفيه عن نفسه وهو الرضى كما يقول القائل : «وهل يمكنني المقام على هذه الحال»؟ أي : لا يمكنني ، و «هل يصبر الحرّ على الذل»؟ و «هل يروى زيد»؟ و «هل يشبع عمرو»؟ فهذه كلها أفعال معناها النفي. فقوله : «وهل أرضى» انما هو نفي للرضى فصار المعنى : ولست أرضى ، إذ كان الذي يسخطني ما فيه رضى من له الأمر ، أي رضى الله تعالى ، وهذا خطأ منه فاحش» (١١).
__________________
(١) معترك ج ١ ص ٤٣٦ ، الاتقان ج ٢ ص ٨٠.
(٢) معترك ج ١ ص ٤٣٦ ، الاتقان ج ٢ ص ٨٠.
(٣) الكهف ٤٩.
(٤) الشعراء ٧٢ ـ ٧٣.
(٥) الفجر ٥.
(٦) الشرح ١ ـ ٢.
(٧) الضحى ٦ ـ ٧.
(٨) الفيل ٢ ـ ٣.
(٩) النمل ٨٤.
(١٠) معترك ج ١ ص ٤٣٤ ، الاتقان ج ٢ ص ٧٩ ، شرح عقود الجمان ص ٥٤ ، البرهان ج ٢ ص ٣٣١ وينظر ما اتفق لفظه واختلف معناه ص ٢٨.
(١١) الموازنة ج ١ ص ٢٠١ ـ ٢٠٢.