ومثاله : «الناس كلهم أبناء الدنيا وأخلاقهم ـ حاشا سيدنا ـ أخلاقها ، فما يراد منهم الوفاء ولا يردّ منهم الجفاء» ، وقول المتنبي :
وتحتقر الدّنيا احتقار مجرّب ـ |
يرى كلّ ما فيها ـ وحاشاك ـ فانيا |
ومنه نوع آخر وهو حسن ، ومثاله : «وجدت من الألم ـ وعافاك الله ـ كذا وكذا ، فكيف أنكر أن تتنكر عليّ الأيام وتتوالى على جسمي الآلام ، وقد أربيت على الستين ـ ضاعفها الله لك عددا ـ وجعلك بالذكر الجميل بعد العمر الطويل مخلدا» ، وقول الشاعر :
إنّ الثمانين ـ وبلغتها ـ |
قد أحوجت سمعي الى ترجمان |
وسماه التنوخي اعتراضا (١) ، وقال الحلبي : «وهو الذي سماه الحاتمي وسماه ابن المعتز اعتراض كلام في كلام لم يتم معناه ثم يعود فيتمه» (٢). وذكر ابن الأثير الحلبي أنّهم يسمونه التمام أيضا (٣). وهذه تسمية لم ترد كثيرا في كتب البلاغة إذ استحسن البلاغيون تسميته اعتراضا كالزركشي والقزويني والعلوي وابن قيم الجوزية والسبكي والتفتازاني والسيوطي والاسفراييني والمغربي (٤). وذكر الحموي التسميات السابقة وأشار الى أنّ تسمية ابن المعتز هي «اعتراض كلام في كلام لم يتم معناه» وقال إنّ اسمه التمام وإنّ الحاتمي سماه التتميم (٥) ، وسماه بعضهم الاستدراك والرجوع (٦). ولكنه حينما تحدث عنه عقد له فصلا باسم «الاعتراض» وقال : «هو عبارة عن جملة تعترض بين الكلامين تفيد زيادة في معنى غرض المتكلم» (٧). وفرّق بينه وبين الحشو بقوله : «ومنهم من سماه الحشو وقالوا في المقبول منه «حشو اللوزينج» وليس بصحيح. والفرق بينهما ظاهر وهو أنّ الاعتراض يفيد زيادة في غرض المتكلم والناظم ، والحشو إنما يأتي لاقامة الوزن لا غير. وفي الاعتراض من المحاسن المكملة للمعاني المقصودة ما يتميز به على أنواع كثيرة».
وذكر المدني له عدة مصطلحات كالتمام والتتميم (٨) ، ولكنه عقد له فصلا باسم «الاعتراض» (٩) كما فعل الحموي وغيره ، وقال إنّه «متى خلا عن نكتة سمي حشوا فلا يعد حينئذ من البديع بل هو من المستهجن» وذكر أنّ النكت فيه كثيرة منها التنزيه كما في قوله تعالى : (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ ـ سُبْحانَهُ ـ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ)(١٠).
ومنها الدعاء كقول أبي المنهال عوف بن محلم الخزاعي :
إنّ الثمانين ـ وبلغتها ـ |
قد أحوجت سمعي الى ترجمان. |
ومنها التنبيه كقول الآخر :
واعلم ـ فعلم المرء ينفعه ـ |
أن سوف يأتي كلّ ما قدرا. |
ومنه تخصيص أحد المذكورين بزيادة التأكيد في أمر علق بهما كقوله تعالى : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ ـ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ
__________________
(١) الأقصى القريب ص ٥٨.
(٢) حسن التوسل ص ٢٢٦ ، نهاية الارب ج ٧ ص ١١٨.
(٣) جوهر الكنز ص ١٢٨.
(٤) البرهان ج ٣ ص ٥٦ ، الايضاح ص ٢٠٦ ، التلخيص ٢٣١ ، الطراز ج ٢ ص ١٦٧ ، الفوائد ص ٩٤ ، عروس الافراح ج ٣ ص ٢٣٧ ، المطول ص ٢٩٦ ، المختصر ج ٣ ص ٨٣ ، ص ٤٣٧ ، معترك ج ١ ص ٣٧١ ، الاتقان ج ٢ ص ٧٥ ، شرح عقود الجمان ص ٧٥ ، الاطول ج ٢ ص ٤٧ ، مواهب ج ٣ ص ٢٣٧ ، الروض المريع ص ٩٨ ، نفحات ص ٢٥٣.
(٥) خزانة الأدب ص ١٢١.
(٦) خزانة ص ٣٦٧.
(٧) خزانة ص ٣٦٦.
(٨) أنوار الربيع ج ٣ ص ٥٢.
(٩) أنوار الربيع ج ٥ ص ١٣٦.
(١٠) النحل ٥٧.