البشام فدعا له» (١)؟ وليس هذا هو الاعتراض الذي قال ابن المعتز عنه : «ومن محاسن الكلام أيضا والشعر اعتراض كلام في كلام لم يتم معناه ثم يعود اليه فيتممه في بيت واحد (٢) كقول كثير :
لو انّ الباخلين ـ وأنت منهم ـ |
رأوك تعلّموا منك المطالا |
فقد اعترض بقوله ـ وأنت منهم ـ والاعتراض في كلام العرب «كثير قد جاء في القرآن وفصيح الشعر ومنثور الكلام ، وهو جار عند العرب مجرى التأكيد فلذلك لا يشنع عليهم ولا يستنكر عندهم أن يعترض به بين الفعل وفاعله ، والمبتدأ وخبره وغير ذلك مما لا يجوز الفصل فيه بغيره إلا شاذا أو متأولا» (٣).
ودخل هذا الاسلوب في كتب البلاغة وعرّفه العسكري بمثل ما عرفه ابن المعتز وذكر أمثلته (٤) ، واشترط ابن منقذ أن لا تكون الجملة المعترضة زائدة بل يكون فيها فائدة (٥). وقسّمه الرازي الى ثلاثة أقسام (٦) :
الأول : مذموم كقول الشاعر :
وما يشفي صداع الرأس |
مثل الصارم العضب |
الثاني : وسط كقول امرئ الشاعر :
ألا هل أتاها والحوادث جمّة |
بأنّ امرأ القيس بن تملك بيقرا |
الثالث : لطيف ، وهو الذي يكسو المعنى جمالا كقوله تعالى : (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ. وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ. إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ)(٧). وأدخله السكاكي في المحسنات المعنوية وقال عنه : «ويسمى الحشو ، وهو تدرج في الكلام ما يتم المعنى بدونه (٨) كقول طرفة :
فسقى ديارك ـ غير مفسدها ـ |
صوب الربيع وديمة تهمي |
وأشار ابن الأثير الى أنّ بعضهم يسميه حشوا ، ثم قال عنه : «وحدّه كل كلام أدخل فيه لفظ أو مركب لو أسقط لبقي الأول على حاله» (٩). وقال ابن الزملكاني : «هو أن يأتوا في حشو الكلام بما يتم الغرض دونه» (١٠). وذكر ابن مالك أنّ قدامة يسميه التفاتا (١١) ، ولكن الأمثلة التي ذكرها قدمة أقرب الى الرجوع منه الى الاعتراض وإن كان قد قال : «ومن نعوت المعاني الالتفات وهو أن يكون الشاعر آخذا في معنى فكأنه يعترضه إما شك فيه أو ظن بأنّ رادّا يرد عليه قوله أو سائلا يسأله عن سببه فيعود راجعا الى ما قدّمه» (١٢) ، وهذا قريب من الرجوع.
وقال ابن شيث القرشي : «هو أن يذكر قضية ثم يحاشيه منها» (١٣) ، وهو أنواع : منه مثل : «وخشيت أن يمر في ظن سيدنا ـ وحاشاه ـ أن الأمر كذا فيعجل بالمؤاخذة ، وهو أبسط من ذلك علما وأوسع حلما» ، وقول الشاعر :
حسبتك تجفوني بما قال حاسدي |
ـ وحاشاك ـ بل غير الجفا منك أليق |
ومنه نوع آخر على طريق المزج أو طريق التفاؤل ،
__________________
(١) حلية المحاضرة ج ١ ص ١٥٧ ، العمدة ج ٢ ص ٤٦ ، وينظر الوافي ص ٢٧٨.
(٢) البديع ص ٥٩.
(٣) الخصائص ج ١ ص ٣٣٥.
(٤) كتاب الصناعتين ص ٣٩٤.
(٥) البديع في نقد الشعر ص ١٣٠.
(٦) نهاية الايجاز ص ١١١ ، الايضاح في شرح مقامات الحريري ص ١٨.
(٧) الواقعة ٧٥ حتى ٧٧.
(٨) مفتاح العلوم ص ٢٠٢.
(٩) المثل السائر ج ٢ ص ١٨٣ ، الجامع الكبير ص ١١٨.
(١٠) التبيان ص ١٧٤.
(١١) المصباح ص ٩٩.
(١٢) نقد الشعر ص ١٦٧.
(١٣) معالم الكتابة ص ٨٠.