في جملة كلام له : وأما توهّم اغتفار التفاوت الحاصل بينها ـ أي بين العلامات الثلاث ـ وعدم تأثيره في الجهة ففاسد ؛ لما تقدم في تحقيق الجهة من اعتبار تعيين (١) الكعبة [ أو ] (٢) ظنها أو احتمالها ، وهذا القدر من التفاوت لا يبقى معه شيء منها . فإنّ من كان بالموصل مثلاً وكان عارفاً مجتهداً في القبلة يقطع بكونه ـ إذا انحرف عن نقطة الجنوب نحو المغرب بنحو ثلث ما بين الجنوب والمغرب الاعتداليين ـ خارجاً عن سمت الكعبة . وكذا من كان بأطراف العراق الشرقية ـ كالبصرة ـ إذا استقبل خط الجنوب . وهذا أمر لا يخفىٰ علىٰ من تدبّر قواعد القبلة وما يتوقف عليه من المقدمات . ومن طريق النص إذا كان جَعْل الجدي على الأيمن يوجب مسامتة الكعبة في الكوفة التي هي بلد الراوي ونحوها كيف يوجب مسامتتها إذا كان بين الكتفين ؟ ! لبُعد ما بينهما بالنسبة إلى بُعد المسافة ، فإنّ الانحراف اليسير عن الشيء مع البُعد عنه يقتضي انحرافاً فاحشاً بينه وبين محاذاته ، فإنّا إذا أخرجنا خطين من نقطة واحدة لم يزالا يزدادان بُعداً كلّما ازدادا امتداداً ، كما لا يخفى . وأيضاً : فلو كان جعله بين الكتفين محصّلاً للجهة كان الأمر بجعله على اليمنى لغواً خالياً عن الحكمة (٣) .
وإنما ذكرناه بطوله لحسن مفاده وجودة محصوله .
( و ) لذا منع هو وكثير من الأصحاب ـ كالمحقق الثاني وجملة ممّن تأخّر عنهما (٤) ـ عما ( قيل : ) من أنه ( يستحب التياسر لأهل المشرق عن سمتهم قليلاً ) (٥) قالوا : لأن البعد الكثير لا يؤمن معه الانحراف الفاحش بالميل
___________________
(١) في « ل » و « ش » : تعيّن ، وفي المصدر : يقين .
(٢) في النسخ : و . وما أثبتناه من المصدر .
(٣) روض الجنان : ١٩٨ .
(٤) جامع المقاصد ٢ : ٥٧ ؛ وانظر المدارك ٣ : ١٣٠ ، والمفاتيح ١ : ١١٣ .
(٥) مصباح المتهجّد : ٢٤ ، الجامع للشرائع : ٦٣ ؛ وانظر ص ٢٥٢ .