المكان من ناحية ترك الدخول فيه محبوبا ، فيكون دخوله فيه ولو لغاية الصلاة فيه منهيا عنه ومعاقبا عليه ، إلّا ان ترك الصلاة فيه من غير هذا الوجه يكون مبغوضا ومنهيا عنه ، فلا يجوز له بعد الدخول فى ذلك المكان ان يترك الصلاة فيه ، بل يلزمه الصلاة فيه رعاية لما فيها من المصلحة التى هى اهم واولى بالمراعاة من التشاغل بغير الصلاة من سائر الافعال والحركات ، وهذا غير مستحيل بنظر العقل السليم لو قال دليل يدل على اهمية الصلاة الاختيارية على غيرها من الحركات الغصبية إلّا ان الشأن كله فى قيامه ، ولم نقف بعد الى الآن على ما يدل على ذلك الا قوله (ع) : الصلاة لا تترك بحال (١) وهو انما يمنع عن تركها بما هى صلاة لا بما هى صلاة اختيارية ، فيلزمه اختيار ادنى افراد الصلاة الاضطرارية ، وهى التى تكون بالاشارة والايماء نحو صلاة الغريق ، رعاية للجمع بين النهى عن الغصب والنهى عن ترك الصلاة بحال هذا.
وقد ذكر هنا وجه آخر فى جواز اختيار الفرد الاختيارى من الصلاة من بعد الدخول ، وتقريبه ان المنافى للتقرب فى العمل العبادى ، ليس إلّا مبعديته عن ساحة القرب الى حضرته تبارك وتعالى ، ولا يكون ذلك فى المنهى عنه الا حيث يكون متعلق النهى مقدور الترك للمكلف ، واما اذا اضطر الى ارتكابه يسقط عنه النهى ولم يكن مبعدا قطعا ، ومعلوم ان القدرة على الشىء تارة تكون مطلقة فيكون الشيء مقدور الترك والايجاد من جميع الوجوه واخرى لم تكن مطلقة بل قدرة على الشيء من وجه دون وجه والتكليف تبع القدرة ، فان كانت مطلقة كان مطلقا وإلّا كان مقيدا بقيد القدرة ، وفى مفروض الكلام ليست
__________________
(١) ـ الوسائل ج ٢ ابواب الاستحاضة باب ١ حديث : ٥ فيه لا تدع الصلاة على حال.