أقامت به حتى ذوى العود في الثّرى |
وساق الثريا في ملاءته الفجر |
قال : فقال لي : أأرشدك أم أدعك؟ قلت : بل أرشدني.
فقال : إنّ العود لا يذوي أو يجف الثرى ، وانما الشعر : «حتى ذوى العود والثرى». ثم قال أبو عمرو : «ولا أعلم قولا أحسن من قوله : «وساق الثريا في ملاءته الفجر» فصيّر للفجر ملاءة ، ولا ملاءة له ، وانما استعار هذه اللفظة وهو من عجيب الاستعارات» (١).
وقال الباقلاني بعد أن ذكر بيت امرئ القيس :
وقد اغتدى والطير في وكناتها |
بمنجرد قيد الأوابد هيكل |
«واقتدى به الناس واتبعه الشعراء فقيل : «قيد النواظر» و «قيد الالحاظ» و «قيد الكلام» و «قيد الحديث» و «قيد الرهان». ثم قال : «وذكر الاصمعي وأبو عبيدة وحماد وقبلهم أبو عمرو أنّه أحسن في هذه اللفظة وأنّه أتبع فلم يلحق ، وذكروه في باب الاستعارة البليغة» (٢).
وقال سيبويه تعليقا على بيت عامر بن الأحوص :
وداهية من دواهي المنو |
ن ترهبها الناس لافالها |
«فجعل للداهية فما» (٣).
وأشار الفراء الى اسلوب الاستعارة ولكنه لم يسمها (٤) ، أما أبو عبيدة فقد سماها ، فهو في تعليقه على بيت الفرزدق :
لا قوم أكرم من تميم إذ عدت |
عوذ النساء يسقن كالآجال |
قال : «قوله : «عوذ النساء» هن اللاتي معهن أولادهن ، والأصل في «عوذ» الابل التي معها أولادها فنقلته العرب الى النساء. وهذا من المستعار ، وقد تفعل العرب ذلك كثيرا» (٥). وفي تعليقه على البيت :
لقد مدّ للقين الرهان فردّه |
عن المجد عرق من فقيرة مقرف |
قال : «وانما ضربه مثلا ههنا يريد أنّ أحد أبويه ليس بعربي ، والاصل للدواب فاستعاره للناس ، والعرب تفعل هذا» (٦).
ولكن هؤلاء العلماء لم يعرّفوا الاستعارة وإن ذكروها مصطلحا ومثالا ، ولعل الجاحظ أول من عرّفها بقوله : «الاستعارة تسمية الشيء باسم غيره إذا اقام مقامه» (٧) وسماها مثلا وبديعا عند تعليقه على بيت الأشهب بن رميلة :
هم ساعد الدهر الذي يتّقى به |
وما خير كفّ لا تنوء بساعده |
قال : «قوله : «هم ساعد» انما هو مثل ، وهذا الذي تسميه الرواة البديع» (٨) وهذه تسمية القدماء قال المظفر العلوي : «وكان القدماء يسمونها الامثال فيقولون : «فلان كثير الأمثال». ولقبها بالاستعارة ألزم ؛ لأنه أعمّ ؛ ولأنّ الامثال كلها تجري مجرى الاستعارة» (٩).
وسماها الجاحظ بدلا عند تعليقه على قوله تعالى : (فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى)(١٠) وقال : «ولو كانوا لا يسمون انسيابها وانسياحها مشيا وسعيا لكان ذلك مما يجوز على التشبيه والبدل وإن قام الشيء مقام
__________________
(١) حلية المحاضرة ج ١ ص ١٣٦ ، وينظر العمدة ج ١ ص ٢٦٩ ، نضرة الاغريض ص ١٣٤ ، خزانة الأدب ص ٤٨ المنصف ص ٥٢ ، التبيان في البيان ص ١٨٥ ، شرح الكافية ص ١٢٦.
(٢) إعجاز القرآن ص ١٠٧ ، ١٠٨.
(٣) الكتاب ج ١ ص ٣١٦.
(٤) معاني القرآن ج ٢ ص ٩١ ، ١٥٦ ، ٢٦٣ ، وغيرها.
(٥) النقائض ج ١ ص ٢٧٥.
(٦) النقائض ج ٢ ص ٥٨٩.
(٧) البيان ج ١ ص ١٥٣ ـ ٢٨٤ ، الحيوان ج ٢ ص ٢٨٠ ـ ٢٨٣ ـ ٣٠٨.
(٨) البيان ج ٤ ص ٥٥.
(٩) نضرة الاغريض ص ١٣٣.
(١٠) طه ٢٠.