وعدّه القزويني مجازا بالإسناد وأخرجه من علم البيان وأدخله في علم المعاني وقال : «إننا لم نورد الكلام في الحقيقة والمجاز العقليين في علم البيان كما فعل السّكّاكي ومن تبعه لدخوله في تعريف علم المعاني دون تعريف علم البيان» (١) وتابعه في ذلك شرّاح التلخيص (٢).
والمجاز العقلي ثلاثة أقسام :
الأوّل : ما طرفاه حقيقيّان مثل : «أنبت الربيع البقل» وقوله تعالى : (وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً)(٣) وقوله : (وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها)(٤)
الثاني : ما طرفاه مجازيّان كقوله تعالى : (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ)(٥) وقولهم : «أحيا الارض شباب الزمان».
الثالث : ما طرفاه مختلفان أي ما كان أحد طرفيه ـ المسند أو المسند اليه ـ مجازا دون الآخر ، كقوله تعالى : (تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها)(٦) وقولهم : «أحيا الأرض الربيع» و «أنبت البقل شباب الزمان» و «أحيتني رؤيتك» أي : آنستني وسرّتني. ومنه قول المتنبي :
وتحيي له المال الصوارم والقنا |
ويقتل ما تحيي التبسم والجدا |
ولا بدّ له من قرينة إما لفظية كقول أبي النجم :
قد أصبحت أمّ الخيار تدّعي |
عليّ ذنبا كله لم أصنع |
|
من أن رأت رأسي كرأس الأصلع |
ميز عنه قنزعا عن قنزع (٧) |
جذب الليالي : أبطئي أو أسرعي
وهذا مجاز بدليل قوله :
أفناه قيل الله للشمس اطلعي |
حتى إذا وافاك أفق فارجعي |
أو غير لفظية كاستحالة صدور المسند من المسند اليه أو قيامه به عقلا مثل : «محبتك جاءت بي اليك» وكصدور الكلام من الموحد في مثل قول الشاعر :
أشاب الصغير وأفنى الكبير |
كرّ الغداة ومرّ العشيّ |
ولا بدّ لهذا النوع من المجاز أن تكون له علاقة ، وأشهر علاقاته : المفعولية فيما بني للفاعل وأسند الى المفعول به الحقيقي كقوله تعالى : (عِيشَةٍ راضِيَةٍ)(٨) وهي مرضية. والفاعلية فيما بني للمفعول واسند الى الفاعل الحقيقي مثل : «سيل مفعم» والسيل هو الذي يفعم لا يفعم.
والمصدرية فيما بني للفاعل واسند الى المصدر مثل : «شعر شاعر» وقول أبي فراس :
سيذكرني قومي إذا جدّ جدّهم |
وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر |
والزمانية فيما بني للفاعل وأسند الى الزمان مثل : «نهاره صائم» و «ليله قائم» وقوله تعالى : (وَالضُّحى. وَاللَّيْلِ إِذا سَجى)(٩).
والمكانية فيما بني للفاعل وأسند الى المكان كقوله تعالى : (وَجَعَلْنَا الْأَنْهارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ)(١٠) ، والنهر لا يجري لأنّه مكان جري الماء.
والسببية فيما بني للفاعل وأسند الى السبب كقول الشاعر :
__________________
(١) الايضاح ص ٣١ ، التلخيص ص ٤٥.
(٢) شروح التلخيص ج ١ ص ٢٣١ ، المطول ص ٥٧ ، الاطول ج ١ ص ٧٢.
(٣) الانفال ٢.
(٤) الزلزلة ٢.
(٥) البقرة ١٦.
(٦) ابراهيم ٢٥.
(٧) القنزع : الشعر حوالي الرأس.
(٨) القارعة ٧.
(٩) الضحى ١ ـ ٢.
(١٠) الانعام ٦.