مالا فادّعى ضياعه :
إن قال قد ضاعت فيصدق أنها |
ضاعت ولكن منك يعني لو تعي |
|
أو قال قد وقعت فيصدق أنها |
وقعت ولكن منه أحسن موقع |
ومنه قوله تعالى : (يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَ)(١) وموجب هذا القول إخراج الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ المنافقين منها لأنّه الأعز وهم الأذلون وقد كان ذلك ألا ترى أنّ الله ـ سبحانه وتعالى ـ قال على أثر ذلك : (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) (المنافقون ٨).
وفرّق المصري بين القول بالموجب والتعطف من وجهين :
الأوّل : أنّ اللفظة التي تزيد في التعطف لا تكون مع اختها في قسم واحد وإنما تكون كل لفظة في شطر.
الثاني : أنّ الثانية من كلمتي التعطّف لا تكون عكس معنى الكلام وهذه تعكس معناه. وذكر الحموي والنويري (٢) أنّ القول بالموجب ضربان :
الأول : يقع صفة في كلام مدّع شيئا يعني به نفسه فتثبت تلك الصفة لغيره من غير تصريح بثبوتها له ولا نفيها عنه كالآية السابقة.
الثاني : حمل كلام المتكلم مع تقريره على خلاف مراده مما يحتمله بذكر متعلقه كبيتي ابن حجاج ، وقول الارجاني :
غالطتني إذ كست جسمي ضن |
كسوة أعرت من الجلد العظاما |
|
ثم قالت أنت عندي في الهوى |
مثل عيني صدقت لكن سقاما |
وأدخله القزويني في المحسنات المعنوية وقسمه كتقسيم الحلبي والنويري وتبعه في ذلك شراح التلخيص (٣).
وقال الحموي : إنّ القول بالموجب هو أسلوب الحكيم (٤) ، وليس الأمر كذلك بل هما يختلفان في الغاية وإن اتفقا في أنّ كليهما إخراج الكلام لا على مقتضى الظاهر. فغاية القول بالموجب ردّ كلام المتكلم وعكس معناه وغاية أسلوب الحكيم تلقي المخاطب بغير ما يترقب بحمل كلامه على خلاف مراده تنبيها على أنّه الأولى بالقصد ، أو السائل بغير ما يتطلب بتنزيل سؤاله منزلة غيره تنبيها على أنّه الاولى بحاله أو المهم له (٥).
وقال السّيوطي (٦) : «ولم أر من أورد له مثالا من القرآن ، وقد ظفرت بآية منه وهي قوله تعالى : (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ ، قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ)(٧).
وقال أيضا : «وحذّاق البديع شرطوا خلوّه من لفظة «لكن» لأنهم خصصوا بها نوع الاستدراك» (٨). ولكنّ المدني قال إنّ الطيبي سبقه الى ذلك في «التبيان» (٩).
__________________
(١) المنافقون ٨.
(٢) حسن التوسل ص ٣٠٥ ، نهاية الارب ج ٧ ص ١٧٠.
(٣) الايضاح ص ٣٨٠ ، التلخيص ص ٣٨٦ ، شروح التلخيص ج ٤ ص ٤٠٦ ، المطول ص ٤٤٤ ، الأطول ج ٢ ص ٢٢٠.
(٤) خزانة الادب ص ١١٦ ، وينظر نفحات ص ٩٤ ، شرح الكافية ص ٩٦.
(٥) أنوار الربيع ج ٢ ص ٢٠٩.
(٦) معترك ج ١ ص ٤٦٢.
(٧) التوبة ٦١.
(٨) شرح عقود الجمان ص ١٣١.
(٩) أنوار الربيع ج ٢ ص ٢٠٠.