تكون إلّا وصفا للألفاظ مع المعاني. ولا يقال في كلمة واحدة لا تدلّ على معنى يفضل عن مثلها بليغة وإن قيل فيها فصيحة وكل كلام بليغ فصيح وليس كل فصيح بليغا» (١). ولكي تكون اللفظة الواحدة فصيحة ينبغي ان تتوفر فيها ثمانية اشياء :
الأوّل : أن يكون تأليف تلك اللفظة من حروف متباعدة المخارج ، ومثال التأليف من الحروف المتباعدة كثير وجلّ كلام العرب عليه ، أما تأليف الحروف المتقاربة فمثل : «الهعخع».
الثاني : أن يكون لتأليف اللفظة في السمع حسن ومزية على غيرها وإن تساويا في التأليف من الحروف المتباعدة كما نجد لبعض النغم والالوان حسنا يتصور في النفس ويدرك بالبصر والسمع دون غيره مما هو من جنسه. ومثاله في الحروف «ع ذ ب» فان السامع لقولهم : «العذيب» ـ اسم موضع ـ و «عذيبة» ـ اسم امرأة ـ و «عذب» و «عذاب» و «عذب» و «عذبات» ما لا يجده فيما يقارب هذه الالفاظ في التأليف. وليس سبب ذلك بعد الحروف في المخارج فقط ولكنه تأليف مخصوص مع البعد ولو قدّمت الذال او الباء لم تجد الحسن على الصفة الاولى في تقديم العين على الذال لضرب من التأليف في النغم يفسده التقديم والتأخير.
الثالث : أن تكون الكلمة غير متوعرة وحشية كقول أبي تمام :
لقد طلعت في وجه مصر بوجهه |
بلا طائر سعد ولا طائر كهل |
فان «كهلا» ههنا من غريب اللغة ، وقد روي أنّ الأصمعي لم يعرف هذه الكلمة وليست موجودة إلا في شعر بعض الهذليين وهو قوله :
فلو أنّ سلمى جاره أو أجاره |
رياح بن سعد ردّه طائر كهل |
وقد قيل : إنّ الكهل الضخم ، و «كهل» لفظة ليست بقبيحة التأليف لكنّها وحشية غريبة.
الرابع : أن تكون الكلمة غير ساقطة عامية ، ومثل الكلمة العامية «تفرعن» في قول أبي تمام :
جليت والموت مبد حرّ صفحته |
وقد تفرعن في أفعاله الأجل |
الخامس : أن تكون الكلمة جارية على العرف العربي الصحيح غير شاذة ويدخل في هذا القسم كل ما ينكره أهل اللغة ويردّه علماء النحو من التصرف الفاسد في الكلمة.
السادس : أن لا تكون الكلمة قد عبّر بها عن أمر آخر يكره ذكره فاذا وردت وهي غير مقصود بها ذلك المعنى قبحت وإن كملت فيها الصفات كقول الشريف الرضي :
اعزز عليّ بأن أراك وقد خلت |
من جانبيك مقاعد العوّاد |
فايراد «مقاعد» في هذا البيت صحيح إلا أنّه موافق لما يكره ذكره في مثل هذا الشأن لا سيما وقد أضافه الى من يحتمل إضافته اليهم وهم «العوّاد» ولو انفرد لكان الأمر فيه سهلا فاما اضافته الى ما ذكره ففيه قبح لا خفاء به.
السابع : أن تكون الكلمة معتدلة غير كثيرة الحروف فانها متى زادت على الأمثلة المعتادة المعروفة قبحت وخرجت عن وجه من وجوه الفصاحة ، ومن هذا النوع قول أبي تمام :
فلاذربيجان اختيال بعد ما |
كانت معرّس عبرة ونكال |
|
سمجت ونبّهنا على استسماجها |
ما حولها من نضرة وجمال |
فكلمتا «اذربيجان» و «استسماجها» رديئتان لكثرة حروفهما.
الثامن : أن تكون الكلمة مصغّرة في موضع عبّر بها
__________________
(١) سر الفصاحة ص ٦٠.