ومعظم المتأخرين (١).
والخبر ثلاثة أضرب :
الأول : الابتدائي ، وهو الخبر الذي يكون خاليا من المؤكّدات لأنّ المخاطب خالي الذهن من الحكم الذي تضمنه. ومن ذلك قوله تعالى : (قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا)(٢).
ومنه قول المتنبي :
أنا الذي نظر الأعمى الى أدبي |
واسمعت كلماتي من به صمم |
|
أنام ملء عيوني عن شواردها |
ويسهر الخلق جرّاها ويختصم |
الثاني : الطلبي ، وهو الخبر الذي يتردد المخاطب فيه ولا يعرف مدى صحته ، أو هو كما قال السكاكي : «وإذا ألقاها الى طالب لها متحير طرفاها عنده دون الاستناد فهو منه بين بين لينقذه من ورطة الحيرة استحسن تقوية المنقذ بادخال اللام في الجملة أو «إنّ» (٣). ومنه قوله تعالى : (وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى ، قالَ : يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ)(٤) وقوله تعالى : (إِذْ قالُوا : لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا)(٥).
ومنه قول جرير :
إنّ العيون التي في طرفها حور |
قتلننا ثم لم يحيين قتلانا |
وقول البحتري :
هل يجلبنّ اليّ عطفك موقف |
ثبت لديك أقول فيه وتسمع |
الثالث : الإنكاري ، وهو الخبر الذي ينكره المخاطب إنكارا يحتاج الى أن يؤكّد بأكثر من مؤكد كقوله تعالى : (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ. إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ. قالُوا ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ. قالُوا : رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ)(٦).
ومنه قول الحماسي :
إنّا لنصفح عن مجاهل قومنا |
ونقيم سالفة العدوّ الأصيد (٧) |
|
ومتى نجد يوما فساد عشيرة |
نصلح وإن نر صالحا لا نفسد |
وللخبر مؤكدات كثيرة منها : إنّ ، وأنّ ، وكأنّ ، ولكنّ ، ولام الابتداء ، والفصل ، وامّا ، وقد ، والسين ، والقسم ، ونونا التوكيد ، ولن ، والحروف الزائدة ، وحروف التنبيه.
وللخبر غرضان أصليان هما :
الأوّل : فائدة الخبر ، ومعناه إفادة المخاطب الحكم الذي تضمنته الجملة أو الكلام ، وهذا هو الاصل في كل خبر لأنّ فائدته تقديم المعرفة او العلم الى الآخرين.
الثاني : لازم الفائدة وهذا الغرض لا يقدم جديدا للمخاطب وإنّما يفيد أنّ المتكلم عالم بالحكم.
ولكنّ الخبر كثيرا ما يخرج على خلاف مقتضى الظاهر فينزل غير السائل منزلة السائل وينزل غير المنكر منزلة المنكر ، وينزل المنكر منزلة غير المنكر ، وله معان
__________________
(١) شروح التلخيص ج ١ ص ١٧٣ ، المطول ص ٣٨ ، الاطول ج ١ ص ٤٤ ، الطراز ج ١ ص ٦١ ، البرهان في علوم القرآن ج ٢ ص ٣١٧ ، معترك ج ١ ص ٤٢٢ ، الاتقان ج ٢ ص ٧٥ ، شرح عقود الجمان ص ٩.
(٢) الانبياء ٦٣.
(٣) مفتاح العلوم ص ٨١.
(٤) القصص ٢٠.
(٥) يوسف ٨.
(٦) يس ١٣ ـ ١٦.
(٧) السالفة : صفحة العنق. الأصيد : المتكبر.