مكر مفرّ مقبل مدبر معا |
كجلمود صخر حطّه السيل من عل |
فالمطابقة في الإقبال والإدبار ، ولكنه لما قال «معا» زادها تكميلا في غاية الكمال ، فانّ المراد بها قرب الحركة في حالتي الاقبال والادبار وحالتي الكر والفر.
فلو ترك المطابقة من هذا التكميل ما حصل لها هذه البهجة ولا هذا الموقع ، ثم انّه استطرد بعد تمام المطابقة وكمال التكميل الى التشبيه على سبيل الاستطراد البديعي ... وقد اشتمل بيت امرئ القيس على المطابقة والتكميل والاستطراد» (١).
ومن المطابقة التي اكتست بالتورية قول المتنبي :
برغم شبيب فارق السيف كفّه |
وكانا على العلّات يصطحبان |
|
كأنّ رقاب الناس قالت لسيفه |
رفيقك قيسيّ وأنت يماني |
ومن المطابقة التي اكتست بالجناس قول أبي تمام :
بيض الصفائح لا سود الصحائف في |
متونهنّ جلاء الشّكّ والرّيب |
وليس معنى ذلك أنّ التضاد أو المطابقة حينما تأتي من غير ترشيح تفقد قيمتها بل أنّ التضاد هو الذي يكسبها قيمة لأنّه يؤدي الى ايضاح المعنى وتقريب الصورة وهي كما قال الشاعر :
ضدان لمّا استجمعا حسنا |
والضّدّ يظهر حسنه الضّدّ |
ولأهمية المطابقة قال القاضي الجرجاني : «وأما المطابقة فلها شعب خفية ، وفيها مكامن تغمض ، وربما التبست بها أشياء لا تتميز إلا للنظر الثاقب والذهن اللطيف» (٢). وقال الصنعاني : «وهي من أكثرها دلالة على الفصاحة في الكلام وأدخل في المنظوم والمنثور» (٣).
التّضمين :
ضمّن الشيء الشيء : أودعه إياه كما تودع الوعاء المتاع ، وقد تضمّنه هو ، والمضمّن من الشعر : ما ضمنته بيتا (٤).
التضمين في العروض هو أن يبنى بيت على كلام يكون معناه في بيت يتلوه من بعده مقتضيا له (٥) ، أو هو «أن يكون الفصل الأول مفتقرا الى الفصل الثاني والبيت الاول محتاجا الى الأخير» (٦). أو هو «أن تتعلق القافية أو لفظة مما قبلها بما بعدها» (٧) ، كقول الشاعر :
كأنّ القلب ليلة قيل يغدى |
بليلى العامرية أو يراح |
|
قطاة عزّها شرك فباتت |
تجاذبه وقد علق الجناح (٨) |
وقول النابغة الذبياني :
وهم وردوا الجفار على تميم |
وهم أصحاب يوم عكاظ إنّي |
|
شهدت لهم مواطن صالحات |
وثقت لهم بحسن الظّن مني |
وقول الآخر :
وسعد نسائلهم والرباب |
وسائل هوازن عنا إذا ما |
__________________
(١) خزانة الادب ص ٧١.
(٢) الوساطة ص ٤٤.
(٣) الرسالة العسجدية ص ١٣٧.
(٤) اللسان (ضمن).
(٥) الموشح ص ٢٣ ، الوافي ص ٢٩٢ ، مفتاح العلوم ص ٢٧٣ ، الاقصى القريب ص ١٠٢ ، جوهر الكنز ص ٢٦٢.
(٦) كتاب الصناعتين ص ٣٦.
(٧) العمدة ج ١ ص ١٧١.
(٨) عزها ـ بالعين المهملة والزاي : قهرها وغلبها.