أحدهما على حذو الآخر وطابق الفرس في جريه : إذا وضع رجليه مكان يديه ، والجمع بين الضدين ليس موافقة» (١). ونقل عن ابن الأثير قوله : «إنّهم سمّوا هذا الضرب من الكلام مطابقا لغير اشتقاق ولا مناسبة بينه وبين مسماه ، هذا الظاهر لنا من هذا القول إلا ان يكونوا قد علموا لذلك مناسبة لطيفة لم نعلمها نحن» (٢). ثم قال المدني : «وأغرب ابن أبي الحديد في قوله : «الطبق بالتحريك في اللغة هو المشقة ، قال الله سبحانه : (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ)(٣) أي مشقة بعد مشقة ، فلما كان الجمع بين الضدين على الحقيقة شاقا بل متعذرا ، ومن عادتهم أن تعطى الألفاظ حكم الحقائق في أنفسها توسعا سمّوا كل كلام جمع فيه بين الضدين مطابقة وطباقا» (٤).
وقال السعد التفتازاني في شرح المفتاح : «إنّما سمّي هذا النوع مطابقة لأنّ في ذكر المعنيين المتضادين معا توفيقا ، وايقاع توافق بين ما هو في غاية التخالف كذكر الإحياء مع الإماتة والابكاء مع الضحك ونحو ذلك».
ثم قال المدني : «وكأنّ ابن الاثير ظهر له وجه المناسبة فيما بعد فقال في كافية الطالب : «المطابقة هي عند الجمهور الجمع بين المعنى وضده ، ومعناها أن يأتلف في اللفظ ما يضاد المعنى وكأنّ كل واحد منهما وافق الكلام فسمي طباقا» (٥). ويبدو من ذلك ان تسميته «مطابقة» أو «طباقا» غير مناسبة ، ومصطلح «التضاد» اكثر دلالة على هذا الفن ، لان التضاد يدل على الخلاف ..
وسمّاه قدامة «التكافؤ» وقال : «ومن نعوت المعاني التكافؤ وهو أن يصف الشاعر شيئا أو يذمه أو يتكلم فيه بمعنى ما ، أي معنى كان فيأتي بمعنيين متكافئين.
والذي أريد بقولي : «متكافئين» في هذا الموضوع :
متقاومان ، إما من جهة المضادة أو السلب والايجاب أو غيرهما من أقسام التقابل» (٦). اما «المطابق» عند قدامة فهو التجنيس (٧) ، وهو ما ذكره ثعلب حيث سمّى الجناس «المطابق» (٨) ، وإن كانت بعض الأمثلة التي ذكرها تحتمل المطابقة أيضا. وقال الآمدي عن المطابقة : «هو مقابلة الحرف بضده أو ما يقارب الضد ، وإنّما قيل مطابق لمساواة أحد القسمين صاحبه وإن تضادّا او اختلفا في المعنى» (٩). وقال : «إنّما هو مقابلة الشيء بمثل الذي هو على قدره فسموا المتضادين إذا تقابلا متطابقين» (١٠) ، ثم قال : «وهذا باب أعني المطابقة لقّبه أبو الفرج قدامة بن جعفر الكاتب في كتابه المؤلف في «نقد الشعر» : المتكافىء ، وسمّى
ضربا من المتجانس المطابق ، وهو أن تأتي بالكلمة مثل الكلمة سواء في تأليفها واتفاق حروفها ويكون معناهما مختلفا ... وما علمت أنّ أحدا فعل هذا غير أبي الفرج فانه وإن كان هذا اللقب يصح لموافقته معنى الملقبات وكانت الألقاب غير محظورة ، فاني لم أكن أحب أن يخالف من تقدّمه مثل أبي العباس عبد الله بن المعتز وغيره ممن تكلم في هذه الأنواع وألف فيها إذ قد سبقوا الى التلقيب وكفوه المؤونة. وقد رأيت قوما من البغداديين يسمون هذا النوع المجانس «المماثل» ويلحقون به الكلمة إذا ترددت وتكررت» (١١).
وقال التّبريزي : «فالطّباق أن يأتي الشاعر بالمعنى وضده أو ما يقوم مقام الضد» (١٢).
وقال ابن الأثير : «وهذا النوع يسمى البديع أيضا ،
__________________
(١) أنوار الربيع ج ٢ ص ٣١.
(٢) المثل السائر ج ٢ ص ٢٨٠ ، الجامع الكبير ص ٢١٢.
(٣) الانشقاق ١٩.
(٤) الفلك الدائر ـ المثل السائر ج ٤ ص ٣٠٠.
(٥) أنوار الربيع ج ٢ ص ٣١ ـ ٣٢ ، وينظر كفاية الطالب ١٢٨.
(٦) نقد الشعر ص ١٦٣.
(٧) نقد الشعر ص ١٨٥.
(٨) قواعد الشعر ص ٥٦.
(٩) الموازنة ج ١ ص ٢٧١.
(١٠) الموازنة ج ١ ص ٢٧٢.
(١١) الموازنة ج ١ ص ٢٧٤ ـ ٢٧٥.
(١٢) الوافي ص ٢٥٨ ، قانون البلاغة ص ٤٣٦.