صالوا وجادوا وضاءوا واحتبوا فهم |
أسد ومزن وأقمار وأجبال |
وفي بيتين كقول الشاعر :
ولمّا أبى الواشون إلا فراقنا |
وما لهم عندي وعندك من ثار |
|
غزوتهم من مقلتيك وأدمعي |
ومن نفسي بالسّيف والماء والنار |
وعدّ قدامة فساد التفسير من عيوب المعاني وهو ما كان على نقيض صحة التفسير ، ولم يجد له مثالا إلا بيتين جاءه بهما أحد شعراء زمانه وهو يطلب أمثلة لهذا الباب وهما :
فيا أيّها الحيران في ظلم الدّجى |
ومن خاف أن يلقاه بغي من العدى |
|
تعال اليه تلق من نور وجهه |
ضياء ومن كفّيه بحرا من الندى |
قال قدامة : «ووجه العيب فيهما أنّ هذا الشاعر لما قدّم في البيت الأول الظلم وبغي العدى كان الجيد أن يفسر هذين المعنيين في البيت الثاني بما يليق بهما فأتى بازاء الاظلام بالضياء وذلك صواب ، وكان الواجب أن يأتي بازاء بغي العدى بالنصرة أو العصمة أو بالوزر أو بما جانس ذلك مما يحتمي به الانسان من أعدائه فلم يأت بذلك وجعل مكانه ذكر الندى ، ولو كان ذكر الفقر أو العدم لكان ما أتى به صوابا» (١).
التّصريع :
صرع الباب : جعل له مصراعين. قال أبو اسحاق :
المصراعان بابا القصيدة بمنزلة المصراعين اللذين هما بابا البيت ، قال واشتقاقهما من الصرعين وهما نصفا النهار. قال : فمن غدوة الى انتصاف النهار صرع ومن انتصاف النهار الى سقوط القرص صرع. قال الازهري : والمصراعان من الشعر ما كان فيه قافيتان في بيت واحد ، ومن الأبواب ما له بابان منصوبان ينضمان جميعا مدخلهما بينهما في وسط المصراعين ، وبيت من الشعر مصرّع له مصراعان ، وكذلك باب مصرّع. والتصريع في الشعر : تقفية المصراع الأول ، مأخوذ من مصراع الباب ، وهما مصرّعان ، وانما وقع التصريع في الشعر ليدل على أن صاحبه مبتدىء إما قصة وأما قصيدة (٢).
وقد سبق الى معرفة التصريع علماء العروض كالخليل ، وقد كانوا يعدونه من محاسن الكلام ، قال أبو تمام يمتدحه :
وتقفو لي الجدوى بجدوى وإنّما |
يروقك بيت الشعر حين يصرّع |
قال قدامة في نعت القوافي : «أن تكون عذبة الحرف سلسة المخرج ، وأن يقصد لتصيير مقطع المصراع الأول في البيت الاول من القصيدة مثل قافيتها فان الفحول المجيدين من الشعراء القدماء والمحدثين يتوخون ذلك ولا يكادون يعدلون عنه ، وربما صرّعوا أبياتا أخر من القصيدة بعد البيت الأول وذلك يكون من اقتدار الشاعر وسعة بحره ، وأكثر من كان يستعمل ذلك امرؤ القيس لمحله من الشعر» (٣). فمنه قوله :
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل |
بسقط اللوى بين الدّخول فحومل |
ثم أتى بعد هذا البيت بأبيات فقال :
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل |
وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي |
ثم أتى بأبيات بعد هذا البيت فقال :
ألا أيّها الليل الطويل ألا انجلي |
بصبح وما الإصباح منك بأمثل |
وذكر أنّ كثيرا من الشعراء سلك مسلك امرىء
__________________
(١) نقد الشعر ص ٢٣١ ، وينظر الموشح ص ٣٦٧ ، قانون البلاغة ص ٤١٥.
(٢) اللسان (صرع) ، وينظر العمدة ج ١ ص ١٧٤.
(٣) نقد الشعر ص ٥١ ، وينظر انوار الربيع ج ٥ ص ٢٧١.