ومن هاب أسباب السماء ينلنه |
ولو رام أسباب السماء بسلّم |
فرددت «أسباب». ومنق قول أبي حيّة النميري :
ألا حيّ من أجل الحبيب المغانيا |
لبسن البلى ممن لبسن اللياليا |
|
إذا ما تقاضى المرء يوما وليلة |
تقاضاه شيء لا يملّ التقاضيا |
والترديد في قوله : «لبسن البلى ممن لبسن اللياليا» و «إذا ما تقاضى المرء يوما وليلة» ثم قال : «تقاضاه شيء لا يملّ التقاضيا».
ومنه قول أبي نواس :
صفراء لا تنزل الأحزان ساحتها |
لو مسّها حجر مسّته سرّاء |
ثم قال ابن رشيق : «وسمع أبو الطيب باستحسان هذا النوع فجعله نصب عينه حتى مقتّه وزهد فيه ، ولو لم يكن إلا بقوله :
فقلقلت بالهمّ الذي قلقل الحشا |
قلاقل عيش كلّهن قلاقل |
فهذه الألفاظ كما قال كلهن قلاقل» (١).
وعرفه التبريزي والبغدادي بما يقرب من تعريف ابن رشيق وذكرا بعض أمثلته ثم قالا : «وقد يسمى التعطف أيضا» (٢). ولكن المصري فرّق بينهما بقوله : «وقد يلتبس الترديد الذي ليس تعددا من هذا الباب بباب التعطف ، والفرق بينهما أنّ هذا النوع من الترديد يكون في أحد قسمي البيت تارة وفيهما معا مرة ، ولا تكون احدى الكلمتين في قسم والاخرى في آخر. والمراد بقربهما أن يتحقق الترديد. والتعطف وإن كان ترديد الكلمة بعينها فهو لا يكون إلا متباعدا بحيث تكون كل كلمة في قسم. والترديد يتكرر والتعطف لا يتكرر ، والترديد يكون بالأسماء المفردة والجمل المؤتلفة والحروف ، والتعطف لا يكون إلا بالجمل غالبا» (٣).
وسماه ابن منقذ «التصدير» (٤) وهو رد الأعجاز على الصدور والفرق بينهما أنّ التصدير مخصوص بالقوافي تردّ على الصدور والترديد يقع في أضعاف البيت (٥).
وقال ابن شيث القرشي : «وهو أن ترد آخر الكلام على أوله» (٦) ، وهذا هو التصدير ، أوردّ الأعجاز على الصدور.
وقال ابن الاثير : «وربما جهل بعض الناس فادخل في التجنيس ما ليس منه نظرا الى مساواة اللفظ دون اختلاف المعنى. فمن ذلك قول أبي تمام :
أظنّ الدّمع في خدّي سيبقى |
رسوما من بكائي في الرسوم |
وهذا ليس من التجنيس في شيء إذ حدّ التجنيس هو إتفاق اللفظ واختلاف المعنى وهذا البيت المشار اليه هو اتفاق اللفظ والمعنى معا ، وهذا مما ينبغي أن ينبه عليه ليعرف. ومن علماء البيان من جعل له اسما سمّاه به وهو الترديد أي أنّ اللفظة الواحدة رددت فيه» (٧).
وقال ابن الزّملكاني : «هو أن تعلق لفظة بمعنى ثم تردها بعينها وتعلقها بمعنى آخر» (٨). وذكر المصري مثل ذلك فقال : «هو أن يعلق المتكلم لفظة من الكلام بمعنى ثم يردّها بعينها ويعلقها بمعنى آخر كقوله ـ سبحانه وتعالى ـ : (حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ ، اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ)(٩). فالجلالة الأولى
__________________
(١) العمدة ج ١ ص ٣٣٣.
(٢) الوافي ص ٢٨٧ ، قانون البلاغة ص ٤٥٣.
(٣) تحرير التحبير ص ٢٥٤.
(٤) البديع في نقد الشعر ص ٥١.
(٥) العمدة ج ٢ ص ٣.
(٦) معالم الكتابة ص ٨٤.
(٧) المثل السائر ج ١ ص ٢٥٢ ، كفاية الطالب ص ١٣٩.
(٨) التبيان ص ١٨٦.
(٩) الانعام ١٢٤.