... ومنه ما يجانسه في تأليف الحروف دون المعنى كقول الشاعر :
يا صاح إنّ أخاك الصّبّ مهموم |
فارفق به إنّ لوم العاشق اللّوم (١) |
وقال الباقلاني : «ومعنى ذلك أن تأتي بكلمتين متجانستين. فمنه ما تكون الكلمة تجانس الأخرى في تأليف حروفها ومعناها واليه ذهب الخليل.
ومنهم من زعم ان المجانسة أن تشترك اللفظتان على جهة الاشتقاق» (٢).
ولم يعرّف ابن رشيق التجنيس وانما ذكر أنّه ضروب كثيرة وعرّف كل ضرب وذكر له أمثلة (٣) ، وفعل مثله عبد القاهر الذي تحدث عن ميزته ومواضع الاحسان والاساءة في استعماله (٤). وقال التبريزي : هو «أن يأتي الشاعر بلفظتين في البيت إحداهما مشتقة من الأخرى ، وهذا الجنس يسمونه المطلق» (٥) ، ونقل البغدادي هذا التعريف (٦).
وقال الصنعاني : «هو اجتماع كلمتين ألفتا من حروف متجانسة ولأهل الأدب فيه مذاهب مختلفة وأقسامه كثيرة» (٧).
وقال السكاكي : «هو تشابه الكلمتين في اللفظ» (٨) وأدخله في التحسين اللفظي كما فعل ابن الاثير حينما تحدث عنه في الصناعة اللفظية (٩).
وقال المظفر العلوي : «هو أن يأتي الشاعر بكلمتين مقترنتين متقاربتين في الوزن غير متباعدتين في النظم ، غير متنافرتين عن الفهم يتقبلهما السمع ولا ينبو عنهما الطبع» (١٠).
وقال ابن مالك : «ويسميه قدامة طباقا ، وهو أن تأتي في غير رد العجز على الصدر بلفظتين بينهما تماثل في الحروف وتغاير في المعنى» (١١). وأدخله في قسم الفصاحة اللفظية من علم البديع.
وقال التنوخي هو : «أن يأتي المتكلم في كلامه بحرف أو حرفين ثم يأتي بها ثانيا في أثناء ذلك الكلام من غير أن يكون بينهما بعد بحيث ينصرف فيه الذهن عن الأول. ولعل ذلك أن يكونا مجتمعين في بيت من الشعر ونحوه من الكلام ، ولا بدّ أن يكون المتجانسان مختلفي المعنى» (١٢).
وسمّاه القزويني : «الجناس» وأدخله في المحسنات اللفظية (١٣) كالسكاكي وابن مالك ، وتبعه في التسمية شراح التلخيص والحموي والسيوطي والمدني (١٤).
وسماه ابن الأثير الحلبي : «الجناس» ولكنه حينما عرفه قال : «وحدّ التجنيس أنّه اتفاق الالفاظ واختلاف المعاني» (١٥) ، وقريب من هذا ما ذكره العلوي الذي عرفه بقوله : «وهو أن تتفق اللفظتان في وجه من الوجوه ويختلف معناهما» (١٦).
ولم يهتم الادباء جميعهم بهذا الفن ، فقد كان منهم من لا يتخذه مذهبا لما في كثير منه من
__________________
(١) كتاب الصناعتين ص ٣٢١.
(٢) اعجاز القرآن ص ١٢٦.
(٣) العمدة ج ١ ص ٣٢١.
(٤) أسرار البلاغة ص ٦ ، دلائل الاعجاز ص ٤٠٢.
(٥) الوافي ص ٢٦٠.
(٦) قانون البلاغة ص ٤٣٧.
(٧) الرسالة العسجدية ص ١٢٧.
(٨) مفتاح العلوم ص ٢٠٢.
(٩) المثل السائر ج ١ ص ٢٤٦.
(١٠) نضرة الاغريض ص ٤٩.
(١١) المصباح ص ٨٤.
(١٢) الأقصى القريب ص ١١٢.
(١٣) الايضاح ص ٣٨٢ ، التلخيص ص ٣٨٨.
(١٤) شروح التلخيص ج ٤ ص ٤١٢ ، المطول ص ٤٤٥ ، الاطول ج ٢ ص ٢٢١ ، خزانة ص ٢٠ ، معترك ج ١ ص ٣٩٩ ، الاتقان ج ٢ ص ٩٠ ، شرح عقود الجمان ص ١٤٣ ، أنوار الربيع ج ١ ص ٩٧ ، التبيان في البيان ص ٤٠٣.
(١٥) جوهر الكنز ص ٩١.
(١٦) الطراز ج ٢ ص ٣٥٦.