الاستعارة ، والتجنيس ، والمطابقة ، ورد أعجاز الكلام على ما تقدمها ، والمذهب الكلامي ، وذكر ثلاثة عشر فنا سماها «محاسن الكلام والشعر» وهي : الالتفات ، والاعتراض ، والرجوع ، وحسن الخروج ، وتأكيد المدح بما يشبه الذم ، وتجاهل العارف ، والهزل الذي يراد به الجد ، وحسن التضمين ، والتعريض والكناية ، والافراط في الصفة ، وحسن التشبيه ، وإعنات الشاعر نفسه في القوافي ، وحسن الابتداءات.
وعاصره قدامة بن جعفر وجمع من البديع أنواعا كثيرة بعضها مما ذكره ابن المعتز وبعضها جديد كالتقسيم والترصيع والمقابلات والتفسير والمساواة والاشارة ولم يسمها بديعا وإنّما هي من محاسن الكلام ونعوته.
وعقد أبو هلال العسكري الباب التاسع من «كتاب الصناعتين» لشرح البديع ، وهو عنده مختلف الصور البيانية كالاستعارة والمجاز والمطابقة والتجنيس.
وصور البديع خمس وثلاثون ، وقد قال عنها : «فهذه أنواع البديع التي ادّعى من لا رويّة ولا دراية عنده أنّ المحدثين ابتكروها وأنّ القدماء لم يعرفوها وذلك لمّا أراد أن يفخم أمر المحدثين ؛ لأنّ هذا النوع من الكلام إذا سلم من التكلف وبرىء من العيوب كان في غاية الحسن ونهاية الجودة» (١).
وزاد سبعة فنون هي : التشطير ، والمجاورة ، والتطريز ، والمضاعفة ، والاستشهاد ، والتلطف ، والمشتق.
ولم يهتم القاضي الجرجاني بألوان البديع ولم يذكر منها إلا فنونا قليلة ، وقد أشار الى أنّ المحدثين سمّوا الاستعارة والمطابق والجناس وغيرها بديعا (٢).
وكانت نظرة الباقلاني الى البديع شاملة وقد ذكر كثيرا من فنونه في كتابه «إعجاز القرآن» ولكنه قال إنّه لا سبيل الى معرفة الاعجاز من البديع الذي ادّعوه في الشعر ووصفوه ، وذلك أنّ هذا الفن ليس فيه مما يخرق العادة ويخرج عن العرف بل يمكن استدراكه بالتعلم والتدرب (٣).
واهتم ابن رشيق بالبديع وفرّق بينه وبين المخترع ، فالمخترع من الشعر هو «ما لم يسبق اليه قائله ولا عمل أحد من الشعراء قبله نظيره أو ما يقرب منه» (٤).
والبديع هو الجديد ، وأصله في الحبال وذلك أن يفتل الحبل جديدا ليس من قوى حبل نقضت ثم فتلت فتلا آخر. قال : «والبديع ضروب كثيرة وأنواع مختلفة ، وأنا أذكر منها ما وسعته القدرة وساعدت فيه الفكرة» (٥).
وأدخل في البديع المجاز والاستعارة والتمثيل والمثل السائر والتشبيه والاشارة ، ولا يختلف عبد القاهر عن سابقيه ، والبديع عنده فنون البلاغة المختلفة ، قال : «وأما التطبيق والاستعارة وسائر أقسام البديع» (٦) ، وقال : «وهكذا تراهم يعدونها في أقسام البديع حيث يذكر التجنيس والتطبيق والتوشيح وردّ العجز على الصدر وغير ذلك» (٧).
وسمّى ابن منقذ أحد كتبه «البديع في نقد الشعر» وجمع فيه خمسة وتسعين فنا بلاغيا ، وسار المصري على خطاه في كتابيه «بديع القرآن» و «تحرير التحبير» وذكر أكثر من مائة فن بلاغي وابتدع فنونا جديدة.
إنّ البديع في القرون الستة الاولى للهجرة كان يدل على فنون البلاغة المختلفة ، ولكن السكاكي حينما قسم البلاغة الى علومها المعروفة أفرد بعض الموضوعات وسمّاها وجوها يصار اليها لتحسين الكلام وقسمها الى لفظية ومعنوية ، ومن الأولى
__________________
(١) كتاب الصناعتين ص ٢٦٧.
(٢) الوساطة ص ٣٤.
(٣) إعجاز القرآن ص ١٦٨.
(٤) العمدة ج ١ ص ٢٦٢ وينظر المنصف ص ٤٨.
(٥) العمدة ج ١ ص ٢٦٥.
(٦) أسرار البلاغة ص ٢٠.
(٧) أسرار البلاغة ص ٣٦٩ ، وينظر كفاية الطالب ص ٤٠.