الأول : الامتنان والفخر ، والامتنان كقوله تعالى : (فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ)(١). فامتنّ الله ـ تعالى ـ وأكّد امتنانه بما يقرره من القسم.
والافتخار كقول الأشتر النخعي :
بقّيت وفري وانحرفت عن العلى |
ولقيت أضيافي بوجه عبوس |
|
إن لم أشنّ على ابن هند غارة |
لم تخل يوما من نهاب نفوس |
فضمّن هذا القسم على الوعيد ما فيه افتخار من الجود والشرف والسؤدد والشجاعة والبسالة.
الثاني : المدح والثناء كقول الشاعر :
آثار جودك في القلوب تؤثّر |
وجميل بشرك بالنجاح يبشّر |
|
إن كان في أمل سواك أعدّه |
فكفرت نعمتك التي لا تكفر |
فهذا إنّما ورد ههنا على جهة المدح والثناء على الممدوح بما هو أهله.
الثالث : تعظيم القدر كقوله تعالى : (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ)(٢) ومنه قول عمر بن أبي ربيعة :
قالت وعيش أخي وحرمة والدي |
لأنبهنّ الحيّ إن لم تخرج |
|
فخرجت خيفة قولها فتبسّمت |
فعلمت أنّ يمينها لم تحرج |
|
فضممتها ولثمتها وفديت من |
حلفت عليّ يمين غير المحرج |
فقد حكى يمينها على جهة الاعظام لها ورفع القدر منها.
الرابع : ما يكون على جهة التغزل ، ومثاله ما قاله بعض الشعراء :
جنى وتجنّى والفؤاد يطيعه |
فلا ذاق من يجني عليّ كما يجني |
|
فان لم يكن عندي كعيني ومسمعي |
فلا نظرت عيني ولا سمعت أذني |
فقوله : «فان لم يكن عندي كسمعي» فيه دلالة على القسم وهو متضمن له على جهة التغزل والاعجاب.
الخامس : أن يكون واردا على جهة الزهو والطرب ومثاله قول الشاعر :
حلفت بمن سوّى السماء وشادها |
ومن مرج البحرين يلتقيان |
|
ومن قام في المعقول من غير رؤية |
بأثبت من إدراك كلّ عيان |
|
لما خلقت كفّاك إلا لأربع |
عقائل لم يعقل لهنّ ثوان |
|
لتقبيل أفواه وإعطاء نائل |
وتقليب هنديّ وحبس عنان |
فهذا وارد في القسم على جهة الاعظام في المديح والاطراء على ممدوحه وإشادة ذكره واظهار أمره.
وسمّاه التبريزي القسم (٣) ، قال البغدادي : «هو أن يقسم الشاعر أو يحلف غيره بأقسام تتعلق بغرضه المقصود معتمدا بذلك الابداع فيما ينظم» (٤).
وذكر له بيتي الأشتر النخعي : «بقيت وفري ...» وقول أبي علي البصير معرضا بعلي ابن الجهم :
أكذبت أحسن ما يظنّ مؤمّلي |
وهدمت ما شادته لي أسلافي |
|
وعدمت عاداتي التي عوّدتها |
قدما من الإتلاف والإخلاف |
__________________
(١) الذاريات ٢٣.
(٢) الحجر ٧٢.
(٣) الوافي ص ٢٩٤.
(٤) قانون البلاغة ص ٤٥٨.