صناعات البلاغة» (١) وقال ابن قيم الجوزية «ويسمى أيضا سياق الأعداد» (٢) ، وذكر تعريف الرازي ومثاليه وأمثلة أخرى من القرآن الكريم كقوله تعالى : (هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ)(٣). ولا يخرج كلام الزركشي عن كلام السابقين وإن أضاف : «وأكثر ما يؤخذ في الصفات ومقتضاها ألّا يعطف بعضها على بعض لاتحاد محلها ويجري مجرى الوصف في الصدق على ما صدق» (٤).
وهذا ما سماه غير المتقدّمين «الأعداد» قال الحموي : «هذا النّوع أعني التعديد ذكره الإمام فخر الدين الرازي وغيره وسماه قوم الأعداد» (٥) ، ويبدو من هذا الكلام أنّ التعديد أو الأعداد من استخراج الرازي غير أنّ الثعالبي والوطواط ذاكره قبله.
ولم يخرج الآخرون عن كلام الرازي وسمّوه تعديدا أو سياقة الأعداد وسياقة العدد (٦).
الإعراض :
الاعراض عن الشيء : الصّدّ عنه ، وأعرض عنه : صدّ (٧).
وقد سمّاه ابن الزملكاني : «الإعراض عن صريح الحكم» وقال : «تيقظ لهذا الفن فانّه دقيق السلك ، لبيق السبك ، ويجيء على وجوه شتى» (٨) ، ومن ذلك قوله تعالى : (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ)(٩). أعرض عن ذكر مقدار الجزاء والثواب وذكر ما هو معلم مشترك بين جميع أعمال البر تضخيما لمقدار الجزاء لما فيه من إبهام المقدار وتنزيلا له منزلة ما قد علم ، فهو غير محتاج الى بيانه. وهذا على حدّ قوله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : إنّما الأعمال بالنيات ، وإنّما لامرىء ما نوى ، فمن كانت هجرته الى الله ورسوله فهجرته الى الله ورسوله».
أعرض عن ذكر الجزاء الى اعادة الشرط تنبيها على وضوح ما ينال وتضخيما لشأن ما أتى من العمل وصار السكوت عن مراتب الثواب أبلغ من بيانها. والى ذلك ذهب الزركشي ونقل كلام ابن الزملكاني (١٠).
الإعنات :
العنت : دخول المشقة على الانسان ولقاء الشدة ، يقال : أعنت فلان فلانا إعناتا إذا أدخل عليه عنتا أي مشقة ، والإعنات : تكليف غير الطاقة (١١).
والإعنات في البلاغة من تسمية ابن المعتز الذي قال : «ومن إعنات الشاعر نفسه في القوافي وتكلفه من ذلك ما ليس له» (١٢) قول الشاعر :
عصاني قومي والرشاد الذي به |
أمرت ومن يعص المجرّب يندم |
|
فصبرا بني بكر على الموت إنّني |
أرى عارضا ينهلّ بالموت والدم |
وسماه بعضهم لزوم ما لا يلزم ، والتضييق ، والتشديد ، والالتزام (١٣) ، وذكر ابن الأثير الحلبي أنّ تجاهل
__________________
(١) حدائق السحر ص ١٤٩.
(٢) الفوائد ص ١٦٤.
(٣) الحشر ٢٣.
(٤) البرهان ج ٣ ص ٤٧٥.
(٥) خزانة الأدب ص ٤١٦.
(٦) معترك ج ١ ص ٣٩٧ ، الاتقان ج ٢ ص ٩٠ ، شرح عقود الجمان ص ١٤٩ ، حلية اللب ص ١٦٦ ، أنوار الربيع ج ٦ ص ١٢٨ ، نفحات ص ٢١٣.
(٧) اللسان (عرض).
(٨) البرهان الكاشف ص ٣١٢.
(٩) النساء ١٠٠.
(١٠) البرهان في علوم القرآن ج ٣ ص ٤١١.
(١١) اللسان (عنت).
(١٢) البديع ص ٧٤. وينظر الغيث المسجم ج ١ ص ٧٢.
(١٣) الوافي ص ٢٩٥ ، قانون البلاغة ص ٤٥٨ ، الايضاح في شرح مقامات الحريري ص ١٦ ، الفوائد ص ٢٣٤ ، خزانة الأدب ص ٤٣٤ ، شرح عقود الجمان ص ١٥٥ ، أنوار الربيع ج ٦ ص ٩٣.