__________________
وقوله :
ومابك في من عيب فاني |
|
جبان الكلب مهزول الفصيل |
فان «جبان الكلب» كناية ، وكذا «مهزول الفصيل» والمراد منهما ثبوت الكرم ، وكل واحدة على حدتها تؤدي هذا المعنى ، وقد جاء عن العرب كنايات كثيرة كقوله :
بيض المطابخ لا تشكو إماؤ هم |
|
طبخ القدور ولا غسل المناديل |
ويروي أن خلافا وقع بين بعض الخلفاء ونديم له في مسألة ، فاتفقا على تحكيم بعض أهل العلم ، فاحضر ، فوجد الخليفة مخطئاً ، فقال : القائلون بقول أمير المؤمنين أكثر (يريد الجهال) وإذا كان الرجل أحمق قيل ، نعته لا ينصرف ، ونظر البديع الهمذاني إلى رجل طويل بارد ، فقال : قد أقبل ليل الشتاء ، ودخل رجل على مريض يعوده وقد اقشعر من البرد ، فقال ما تجد (فديتك) قال أجدك (يعني البرد) وإذا كان الرجل ملولا قيل : هو من بقية قوم موسى ، وإذا كان ملحداً ، قيل قد عبر (يريدون جسر الايمان) وإن كان يسىء الأدب في المؤاكلة قبل : تسافر يده على الخوان ويرعى أرض الجيران ، ويقال عمن يكثر الاسفار : (فلان) لا يضع العصا على عاتقه ـ وجاء في القرآن الكريم (أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً) فانه كنى عن الغيبة يأكل الانسان لحم الانسان ، وهذا شديد المناسبة لأن الغيبة إنما هي ذكر مثالب الناس وتمزيق أعراضهم وتمزيق العرض مماثل لأكل الانسان لحم من يغتابه.
ومن أمثال العرب : قولهم : لبست لفلان جلد النمر ، وجلد الأرقم ـ كناية عن العداوة ، وكذلك قولهم (قلبت له ظهر المجن) كناية عن تغيير المودة ، ويقول القوم : فلان برىء الساحة ، إذا برؤوه من تهمة ـ ورحب الذراع ، إذا كان كثير المعروف ـ وطويل الباع في الأمر ، إذا كان مقتدرا فيه ، وقوى الظهر ، إذا كثر ناصروه ، ومن ذلك أن (المنصور) كان في بستان له ، أيام محاربته (ابراهيم بن عبد الله بن الحسن) فنظر إلى شجرة خلاف فقال للربيع ، ما هذه الشجرة ، فقال طاعة يا أمير المؤمنين فتفاءل المنصور به ، وعجب من ذكائه ، ومثل ذلك : أن رجلا مر في صحن دار (الرشيد) ومعه حزمة خيزران ، فقال الرشيد للفضل بن الربيع ، ما ذاك فقال (عروق الرماح) يا أمير المؤمنين ، وكره أن يقول «الخيزران» لموافقته اسم (والدة الرشيد) ومن كلامهم «فلان طويل الذيل».