وهذا أحد الموارد التي يرجع فيها إلى الأصل المحكوم بعد سقوط الأصل الحاكم ، ونظير ذلك في الفروع الفقهية كثير منها : ما لو علم بنجاسة شيء في زمان وطهارته في زمان آخر وشكّ في المتقدم منهما ، فانّه بعد تساقط الاستصحابين بالمعارضة يرجع إلى قاعدة الطهارة. ومنها : ما إذا علم حلية شيء في زمان وحرمته في زمان آخر وشكّ في المتقدم منهما ، فانّه بعد تساقط الاستصحابين يرجع إلى أصالة الحل ، إلى غير ذلك من الموارد التي يرجع فيها إلى الأصل المحكوم بعد سقوط الأصل الحاكم.
أمّا القسم الثاني : وهو ما إذا كان الأصل الجاري في كل طرف من سنخ الأصل الجاري في الطرف الآخر مع عدم اختصاص أحدهما بأصل طولي ، فلا ينبغي الشك في عدم جريان الأصل في شيء منهما ، على ما تقدّم بيانه ، وهذا القسم يتحقق في موردين : أحدهما : ما إذا لم يكن لشيء من الطرفين أصل طولي ، كما إذا علمنا بنجاسة أحد الثوبين فانّ الأصل الجاري في كل منهما مع قطع النظر عن العلم الاجمالي هي أصالة الطهارة فتسقط فيهما. ثانيهما : ما إذا كان الأصل الطولي مشتركاً فيه بين الطرفين ، كما إذا علمنا بنجاسة أحد الماءين ، فانّ الأصل الجاري في كل منهما ابتداءً هي أصالة الطهارة ، وبعد سقوطها تصل النوبة إلى أصالة الحل في الطرفين ، والعلم الاجمالي كما يوجب تساقط الأصلين الحاكمين كذلك يوجب تساقط الأصلين المحكومين أيضاً بملاك واحد ، وهو كون جريان الأصل في الطرفين مستلزماً للترخيص في المعصية ، وفي أحدهما ترجيحاً بلا مرجح.
وأمّا القسم الثالث : وهو ما إذا كان الأصل الجاري في أحد الطرفين مغايراً في السنخ للأصل الجاري في الطرف الآخر ، فإن لم يكن أحد الطرفين مختصاً بأصل طولي ، فلا إشكال في عدم جواز الرجوع إلى الأصل في كلا الطرفين ،