حسن بعض الأشياء وقبح البعض الآخر ضروري ، كيف ولولا ذلك لا طريق إلى إثبات النبوّة والشريعة ، فانّه لولا حكم العقل بقبح إجراء المعجزة على يد الكاذب لم يمكن تصديق النبي صلىاللهعليهوآله لاحتمال الكذب في ادعائه النبوة. إلاّ أنّك قد عرفت في بحث التجري (١) أنّ هذا الحكم العقلي في طول الحكم الشرعي وفي مرتبة معلوله ، فانّ حكم العقل بحسن الاطاعة وقبح المعصية إنّما هو بعد صدور أمر مولوي من الشارع ، فلا يمكن أن يستكشف به الحكم الشرعي.
وأمّا القسم الثالث : فلا ينبغي التوقف والاشكال في استتباعه الحكم الشرعي ، فانّ العقل إذا أدرك الملازمة بين وجوب شيء ووجوب مقدّمته أو بين وجوب شيء وحرمة ضدّه وثبت وجوب شيء بدليل شرعي ، فلا محالة يحصل له القطع بوجوب مقدمته وبحرمة ضدّه أيضاً ، إذ العلم بالملازمة والعلم بثبوت الملزوم علّة للعلم بثبوت اللاّزم ، ويسمّى هذا الحكم بالعقلي غير المستقل ، لكون إحدى مقدّمتيه شرعية على ما عرفت.
وأمّا الكبرى ـ وهي حجّية القطع الحاصل من غير الكتاب والسنّة ـ فتحقيق الحال فيها يقتضي البحث أوّلاً : عن مقام الثبوت ، وأنّ المنع عن العمل بالقطع الحاصل من غير الكتاب والسنّة ممكن أو محال. وثانياً عن مقام الاثبات ، وأنّ الأدلة التي ذكرها الأخباريون تدل على عدم حجّية القطع المذكور أم لا.
أمّا الكلام في مقام الثبوت ، فهو أنّه ذكر شيخنا الأعظم الأنصاري (٢) قدسسره وأكثر من تأخر عنه : أنّه لا يمكن المنع عن العمل بالقطع ولو كان
__________________
(١) في ص ٢٥
(٢) فرائد الاصول ١ : ٥٢ ، وراجع أيضاً التنبيه الثاني ص ٦١