لا يكون البحث في إحدى الجهتين مغنياً عن البحث في الجهة الاخرى. وحيث إنّ المناسب للمقام هو البحث عن الجهة الثانية لما عرفت ، فيقع الكلام فعلاً فيها ، ولا بدّ من التكلم في مباحث ثلاثة :
المبحث الأوّل : في أنّ العقل الحاكم بالاستقلال في باب الاطاعة والعصيان هل يفرّق بين العلم التفصيلي والاجمالي في تنجيز التكليف ، أم لا؟
وبعبارة اخرى : هل المأخوذ في موضوع حكم العقل بقبح مخالفة المولى هو وصول التكليف بالعلم التفصيلي ، أو الأعم منه ومن العلم الاجمالي؟
وبعبارة ثالثة : هل العقل يرى العلم الاجمالي بياناً كالعلم التفصيلي كي لا تجري معه قاعدة قبح العقاب بلا بيان ، أم لا؟
المبحث الثاني : في أنّه بعد الفراغ عن كونه بياناً ، هل يمكن للشارع أن يرخّص في المخالفة القطعية بارتكاب جميع الأطراف في الشبهة التحريمية ، وترك الجميع في الشبهة الوجوبية ، أم لا؟
المبحث الثالث : في وقوع ذلك ، والبحث عن شمول أدلة الاصول العملية الشرعية لجميع أطراف العلم الاجمالي وعدمه ، بعد الفراغ عن الامكان.
أمّا المبحث الأوّل : فربّما يقال إنّه يعتبر في موضوع حكم العقل بقبح مخالفة المولى أن يكون المكلف عالماً بالمخالفة حين العمل ، لأنّ القبيح هو عصيان المولى ، ولا يتحقق العصيان إلاّمع العلم بالمخالفة حين العمل. والمقام ليس كذلك ، إذ لا علم له بالمخالفة حين ارتكاب كل واحد من الأطراف ، لاحتمال أن يكون التكليف في الطرف الآخر ، غاية الأمر أنّه بعد ارتكاب جميع الأطراف يحصل له العلم بالمخالفة ، وتحصيل العلم بالمخالفة ليس حراماً ، ولذا لو ارتكب المكلف ما هو مشكوك الحرمة بالشك البدوي تمسكاً بأصالة البراءة ، لا مانع