والمقام وإن لم يكن من صغريات دوران الأمر بين المحذورين ، لأنّ دوران الأمر بين المحذورين إنّما هو فيما إذا علم جنس الالزام وشكّ في أنّه الوجوب أو الحرمة ، والمقام ليس كذلك ، لاحتمال أن لا يكون مورد اجتماع العام والخاص واجباً ولا حراماً ، إذ نحتمل أن لا يكون العموم مراداً من هذا العام ، بأن يكون العام الذي نعلم إجمالاً بارادة العموم منه منطبقاً على غير هذا العام ، وكذا نحتمل أن لا يكون هذا الخاص صادراً ، بأن يكون الخاص الذي نعلم إجمالاً بصدوره غير هذا الخاص ، فنحتمل أن لايكون مورد الاجتماع حراماً ولا واجباً ، إلاّ أنّه ملحق بدوران الأمر بين المحذورين حكماً ، لما ذكرناه من كونه طرفاً لعلمين إجماليين يقتضي أحدهما الفعل والآخر الترك ، فلا يمكن الاحتياط وتحصيل الامتثال اليقيني ، فإذن لا مناص من الحكم بالتخيير.
الوجه الثاني من الوجوه العقلية التي استدلّ بها على حجّية الخبر : ما ذكره صاحب الوافية على ما حكي عنه مستدلاًّ على حجّية الأخبار الموجودة في الكتب المعتبرة عند الشيعة ، كالكتب الأربعة مع عمل جمع بها من غير ردّ ظاهر ، وهو أنّا نقطع ببقاء التكليف إلى يوم القيامة ، ولا سيّما بالاصول الضرورية كالصوم والصلاة والحج والزكاة ، مع أنّ جل أجزائها وشرائطها وموانعها إنّما يثبت بالخبر غير القطعي ، بحيث نقطع بخروج حقائق هذه الامور عن كونها هذه الامور عند ترك العمل بخبر الواحد (١) ، انتهى ملخّصاً.
وأورد عليه الشيخ قدسسره (٢) أوّلاً : بأنّ العلم الاجمالي حاصل بوجود الأجزاء والشرائط بين جميع الأخبار ، لا خصوص الأخبار الواجدة لما ذكره
__________________
(١) الوافية : ١٥٩
(٢) فرائد الاصول ١ : ٢١٩