المقام الأوّل : في وجود الجاهل القاصر وعدمه.
المقام الثاني : في ترتب أحكام الكفر عليه ، كالنجاسة والمنع من الارث والتناكح وغير ذلك من الأحكام الفرعية المترتبة على الكفر.
المقام الثالث : في استحقاقه العقاب وعدمه.
أمّا المقام الأوّل : فحقّ القول فيه أنّه لا يوجد الجاهل القاصر بالنسبة إلى وجود الصانع إلاّنادراً ، إذ كل إنسان ذي شعور وعقل ـ ولو كان في غاية قلّة الاستعداد ما لم يكن ملحقاً بالصبيان والمجانين ـ يدرك وجوده ونفسه ، وهو أوّل مدرك له ، ويدرك أنّه حادث مسبوق بالعدم ، وأ نّه ليس خالقاً لنفسه بل له خالق غيره ، وهذا المعنى هو الذي ذكره سبحانه وتعالى بقوله : «أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ» (١) ثمّ ينتقل إلى وجود غيره ، وهو مدرك ثانٍ له ، وينتقل منه أيضاً إلى وجود الصانع ، كما قال عزّ من قائل : «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ» (٢) أي أنّهم يعترفون بالخالق (جلّ ذكره) بمجرد الالتفات إلى وجود السماوات والأرض. وكذا الحال بالنسبة إلى التوحيد ، فانّ كل إنسان ذي شعور وعقل كما يدرك أنّ له صانعاً يدرك بحسب ارتكازه الفطري أنّ الخالق (جلّ ذكره) واحد لا شريك له.
وبالجملة : الجاهل القاصر بالنسبة إلى وجود الصانع وتوحيده (جلّ ذكره) نادر أو غير موجود. نعم ، الجاهل القاصر بالنسبة إلى النبوّة الخاصّة والإمامة والمعاد الجسماني في غاية الكثرة ، فانّ كثيراً من نسوان اليهود والنصارى قاصرات
__________________
(١) الطور ٥٢ : ٣٥
(٢) الزُّمر ٣٩ : ٣٨