القسم الثاني : أن يكون ما يحتمل دخله في الواجب أمراً غير مستقل عنه خارجاً ، ولم يكن من مقوماته الداخلة في حقيقته ، بل كانت نسبته إليه نسبة الصفة إلى الموصوف والعارض إلى المعروض ، كما لو دار أمر الرقبة الواجب عتقها بين كونها خصوص المؤمنة أو الأعم منها ومن الكافرة. وهذا القسم كسابقه في جريان البراءة العقلية والنقلية فيه بملاك واحد ، فانّ تعلّق التكليف بالطبيعي المردد بين الاطلاق والتقييد معلوم إجمالاً ، فتجري أصالة البراءة عن التقييد بلا معارض ، ولا تعارض بأصالة البراءة عن الاطلاق ، لعدم كون الاطلاق ضيقاً وكلفة على المكلف ، ولا يكون مجرىً للأصل في نفسه كما مرّ مراراً.
واستشكل صاحب الكفاية (١) قدسسره في جريان البراءة العقلية فيه وفي سابقه بدعوى أنّ جريان البراءة في موارد دوران الأمر بين الأقل والأكثر مبني على انحلال العلم الاجمالي بكون الأقل متيقناً على كل تقدير ، والمقام ليس كذلك ، لأنّ وجود الطبيعي في ضمن المقيّد متحد معه بل عينه خارجاً ، ووجود الطبيعي في ضمن غيره ممّا هو فاقد للقيد مباين له ، فلا يكون هناك قدر متيقن في البين لينحل به العلم الاجمالي وتجري أصالة البراءة.
وفيه أوّلاً : أنّ الملاك في الانحلال جريان الأصل في بعض الأطراف بلا معارض كما مرّ مراراً ، والمقام كذلك ، فانّ تعلّق التكليف بطبيعي الرقبة المردد بين الاطلاق بالنسبة إلى الإيمان والكفر أو التقييد بخصوص الإيمان معلوم وهذا هو القدر المتيقن ، إنّما الشك في خصوصية الاطلاق والتقييد ، وحيث إنّ في الاطلاق توسعة على المكلف لا ضيقاً وكلفة عليه ، فلا يكون مورداً لجريان
__________________
(١) كفاية الاصول : ٣٦٧