وبالجملة : لا يزيد الغرض على أصل التكليف ، فكما أنّ التكليف الذي لم يقم عليه بيان من المولى مورد لقاعدة قبح العقاب بلا بيان ، كذلك الغرض الذي لم يقم عليه بيان من المولى مورد لقاعدة قبح العقاب بلا بيان ، فإذا دار الأمر بين الأقل والأكثر ، فكما أنّ التكليف بالزائد على القدر المتيقن ممّا لم تقم عليه حجّة من قبل المولى ، فيكون العقاب عليه عقاباً بلا بيان ، كذلك الغرض المشكوك ترتبه على الأقل أو الأكثر ، فانّه على تقدير ترتبه على الأقل كانت الحجّة عليه تامّة ، وصحّ العقاب على تفويته بترك الأقل. وعلى تقدير ترتبه على الأكثر لم تقم عليه الحجّة من قبل المولى ، وكان العقاب على تفويته بترك الأكثر عقاباً بلا بيان.
هذا كلّه بناءً على ما هو المشهور من مذهب العدلية من تبعية الأحكام للملاكات في متعلقاتها ، وأمّا على القول بكونها تابعةً للمصالح في نفسها كما مال إليه صاحب الكفاية في بعض كلماته (١) ، وكما هو الحال في الأحكام الوضعية مثل الملكية والزوجية ونحوهما ، فالاشكال مندفع من أصله كما هو ظاهر.
الجهة الثانية : في جريان البراءة الشرعية وعدمه ، وملخص الكلام فيه : أنّه إن قلنا بجريان البراءة العقلية ، فلا ينبغي الاشكال في جريان البراءة الشرعية أيضاً بملاك واحد ، وهو عدم جريان الأصل في الاطلاق ، باعتبار كونه سعة على المكلف ، ولا يكون تضييقاً عليه ليشمله حديث الرفع ونحوه ، فيجري الأصل في التقييد بلا معارض ، فكما قلنا إنّ الأصل عدم التقييد بمعنى قبح العقاب عليه لعدم البيان ، كذلك نقول برفع المؤاخذة على التقييد لكونه ممّا لا يعلم ، فيشمله مثل حديث الرفع. وإن قلنا بعدم جريان البراءة العقلية وعدم
__________________
(١) كفاية الاصول : ٣٠٩