إن قلت : مقتضى إطلاق الآية حرمة الكتمان ولو مع علم المخبر بأنّ إخباره لا يفيد العلم للسامع ، ولا ينضم إليه إخبار غيره لكتمانه ، وحرمة الكتمان في هذا الفرض تدل على وجوب القبول ، وإلاّ لزم كونها لغواً كما في حرمة الكتمان على النساء.
قلت : ظهور الحق للناس وحصول العلم لهم إنّما هو حكمة لحرمة الكتمان ، والحكمة الداعية إلى التكليف لا يلزم أن تكون ساريةً في جميع الموارد ، ألا ترى أنّه يجب على الشاهد أن يشهد عند الحاكم إذا دعي لذلك بمقتضى قوله تعالى :
«وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا» (١) ولو مع العلم بعدم انضمام الشاهد الثاني إليه ، مع أنّ الحكمة في وجوب الشهادة ـ وهي حفظ حقوق الناس ـ غير متحققة في هذا الفرض ، وكذا الحال في وجوب العدّة على المطلّقة وعلى المتوفّى عنها زوجها وإن كانت عقيماً ، مع أنّ الحكمة وهي التحفظ على النسب غير موجودة في مفروض المثال.
ويدل على ما ذكرناه ـ من أنّ الغرض من حرمة الكتمان في مقام ظهور الحق وحصول العلم به لعامّة الناس لا وجوب القبول تعبداً ـ أنّ مورد الآية هو نبوّة نبيّنا صلىاللهعليهوآله ومن الظاهر عدم حجّية خبر الواحد في اصول الدين.
ومن جملة الآيات : آية الذكر ، وهي قوله تعالى : «فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ * بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ» (٢) وتقريب الاستدلال بهذه الآية الشريفة هو تقريب الاستدلال بالآية السابقة ، من أنّ وجوب السؤال يدل على وجوب القبول بالملازمة ، وإلاّ لزم كون وجوب السؤال لغواً.
__________________
(١) البقرة ٢ : ٢٨٢
(٢) النحل ١٦ : ٤٣ و ٤٤