بلا بيان. وتحقيق الحال في هذا الاستدلال يقتضي التكلم في جهات ثلاث :
الجهة الاولى : في تمامية قاعدة قبح العقاب بلا بيان وعدمها في نفسها.
الجهة الثانية : في ملاحظتها مع قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل.
الجهة الثالثة : في لحاظها مع أدلة وجوب الاحتياط على تقدير تماميتها.
أمّا الجهة الاولى : فلا ينبغي الشك في تمامية قبح العقاب بلا بيان على القول بالتحسين والتقبيح العقليين كما عليه العدلية والمعتزلة ، فانّه من الواضح أنّ الانبعاث نحو عمل أو الانزجار عنه إنّما هو من آثار التكليف الواصل ، وما يكون محرّكاً للعبد نحو عمل أو زاجراً له عنه إنّما هو العلم بالتكليف لا وجوده الواقعي ، فإذا لم يكن التكليف واصلاً إلى العبد كان العقاب على مخالفته قبيحاً عقلاً ، إذ فوت غرض المولى ليس مستنداً إلى تقصير من العبد ، بل إلى عدم تمامية البيان من قبل المولى ، فنفس قاعدة قبح العقاب بلا بيان تامّة بلا شبهة وإشكال ، ومسلّمة عند الاصولي والأخباري.
وأمّا الجهة الثانية : فالمشهور بينهم ـ كما ذكره صاحب الكفاية قدسسره (١) ـ أنّ قاعدة قبح العقاب بلا بيان ترفع موضوع حكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل ، إذ مع حكم العقل بقبح العقاب مع عدم وصول التكليف إلى العبد لا يبقى احتمال الضرر ليجب دفعه بحكم العقل.
وأشكل عليه : بامكان العكس ، بأن تكون قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل رافعة لموضوع قاعدة قبح العقاب بلا بيان ، إذ مع حكم العقل بوجوب التحفظ على الحكم الواقعي حذراً من الوقوع في الضرر المحتمل ، كان هذا بياناً ، فتسقط قاعدة قبح العقاب بلا بيان بارتفاع موضوعها ، وهو عدم البيان.
__________________
(١) كفاية الاصول : ٣٤٣