بدوران الأمر بين المحذورين مع إمكانها على ما سيتّضح قريباً (١) إن شاء الله تعالى.
المقام الثالث : دوران الأمر بين المحذورين مع تعدد الواقعة ، بلا فرق بين التعبديات والتوصليات في ذلك.
أمّا المقام الأوّل : وهو دوران الأمر بين المحذورين في التوصليات مع وحدة الواقعة ، فالأقوال فيه خمسة : الأوّل : تقديم احتمال الحرمة ، لكون دفع المفسدة أولى من جلب المنفعة. الثاني : الحكم بالتخيير بينهما شرعاً. الثالث : هو الحكم بالاباحة شرعاً والتخيير بينهما عقلاً ، واختاره صاحب الكفاية قدسسره (٢). الرابع : هو الحكم بالتخيير بينهما عقلاً من دون الالتزام بحكم ظاهري شرعاً ، واختاره المحقق النائيني قدسسره (٣). الخامس : جريان البراءة شرعاً وعقلاً.
وهذا هو الصحيح ، لعموم أدلة البراءة الشرعية وعدم ثبوت ما يمنع عن شمولها ، ولحكم العقل بقبح العقاب على خصوص الوجوب أو الحرمة للجهل به الموجب لصدق عدم البيان. ويتّضح هذا وضوحاً ببيان ما في سائر الأقوال فنقول :
أمّا القول الأوّل : ففيه أوّلاً : منع أولوية دفع المفسدة من جلب المنفعة على نحو الاطلاق ، ضرورة أنّه ربّ واجب يكون أهم من الحرام في صورة المزاحمة.
وثانياً : أنّه على تقدير التسليم ، فانّما يتم فيما إذا كانت المفسدة والمصلحة معلومتين. وأمّا لو كان الموجود مجرد احتمال المفسدة ، فلا نسلّم أولوية رعايته
__________________
(١) في ص ٣٨٩
(٢) كفاية الاصول : ٣٥٥
(٣) أجود التقريرات ٣ : ٣٩٧ ، فوائد الاصول ٣ : ٤٤٤ ـ ٤٤٥