بيان ، بأن جعل الأمارة طريقاً وبياناً ، كان حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان منتفياً بانتفاء موضوعه ، ولذا نعبّر عن تقدّم الأمارة عليه بالورود وهو انتفاء الحكم بانتفاء موضوعه بالتعبد الشرعي ، وعليه فالعقل بنفسه يحكم بالتنجز ، بلا حاجة إلى جعل التنجيز.
وإن لم يتصرّف الشارع في موضوع حكم العقل ولم يعتبر الأمارة بياناً ، بل جعل الأمارة منجّزة للتكليف ، بأن يكون المجعول كون المكلف مستحقاً للعقاب على مخالفة التكليف ، لزم التخصيص في حكم العقل ، بأن يقال : العقاب بلا بيان قبيح إلاّمع قيام الأمارة على التكليف فانّ العقاب بلا بيان في هذا المورد ليس بقبيح ، وقد ذكرنا أنّ حكم العقل غير قابل للتخصيص. هذا والتفصيل موكول إلى محلّه (١).
وأمّا قيام الاصول المحرزة مقام القطع ، وهي الاصول التي تكون ناظرة إلى الواقع ، كالاستصحاب وقاعدة الفراغ والتجاوز ـ بناءً على عدم كونها من الأمارات ـ وقاعدة عدم اعتبار الشك من الإمام والمأموم مع حفظ الآخر ، وقاعدة عدم اعتبار الشك ممّن كثر شكّه وتجاوز عن المتعارف ، وغيرها من القواعد الناظرة إلى الواقع في ظرف الشك ـ فالظاهر أنّها تقوم مقام القطع الطريقي والقطع المأخوذ في الموضوع بنحو الطريقية ، إذ الشارع اعتبر موارد جريانها علماً ، فتترتب عليها آثاره العقلية والشرعية من المنجزية والمعذرية ، والحكم المأخوذ في موضوعه القطع.
وتوهم أنّه قد اخذ في موضوع الاصول الشك ، فكيف يمكن اعتبارها علماً ،
__________________
(١) يأتي وجه تقديم الأمارات على الاصول العقلية وأ نّه من باب الورود في أواخر بحث الاستصحاب ، راجع الجزء الثالث ص ٢٩٧