والجواب : أنّ المجتهد يفحص ويبيّن له الصغرى وأنّ المقام ممّا لم تقم فيه حجّة على التكليف ، ويرجع المقلد إليه من باب الرجوع إلى أهل الخبرة في تشخيص الصغرى ، فيستقل عقله بما استقلّ به عقل المجتهد من قبح العقاب بلا بيان ، فتكون الكبرى وجدانية للمقلد بعد تشخيص الصغرى بالرجوع إلى المجتهد ، ولو فرض أنّ المقلد لم يكن أهلاً لادراك حكم العقل بذلك فيرجع إلى المجتهد في تشخيص الكبرى أيضاً ، فكما بيّن له أنّ المقام ممّا لم تقم فيه حجّة على التكليف ، يبيّن له أنّ العقاب بلا حجّة وبيان قبيح بحكم العقل.
وبالجملة : في جميع موارد عجز المقلّد عن تشخيص مجرى الأصل العملي ، لا نقول بأنّ المجتهد نائب عن المقلد حتّى نطالب بدليل النيابة ، بل نقول : إنّ المجتهد ينقّح مجرى الأصل بحسب وظيفته ، فانّ وظيفة المجتهد هي وظيفة الإمام عليهالسلام ، وهي بيان الأحكام المجعولة في الشريعة المقدّسة بنحو القضايا الحقيقية ، غاية الأمر أنّ علم الإمام عليهالسلام بالحكم ينتهي إلى الوحي ، وعلم المجتهد حاصل من ظواهر الكتاب والسنّة ، والمقلد يرجع إليه من باب رجوع الجاهل إلى العالم في تشخيص الصغرى وتعيين مجرى الأصل فقط ، أو في تطبيق الكبرى أيضاً.
فتحصّل من جميع ما ذكرناه في المقام : أنّه لا وجه للالتزام باختصاص المقسم بالمجتهد بل يعم المقلد أيضاً.
الأمر الثالث : ذكر شيخنا الأنصاري قدسسره (١) أنّ المكلف إذا التفت إلى حكم شرعي ، فامّا أن يحصل له القطع به أو الظن أو الشك. وبحسب هذا التقسيم جعل كتابه مشتملاً على مقاصد ثلاثة :
__________________
(١) فرائد الاصول ١ : ٤٧