سيّما أهل البوادي والقرى والبلدان البعيدة ، فانّ كل واحد من المكلفين لايتمكن من الوصول إلى المعصوم عليهالسلام في كل وقت من أوقات الحاجة إلى السؤال ، بل كانوا يرجعون إلى الثقات يأخذون الأحكام منهم ، وهذا كلّه ظاهر.
إلاّ أنّه لا يكشف عن كون الخبر حجّة تعبدية ، لأنّ عمل المتشرعة بخبر الثقة لم يكن بما هم متشرعة ، بل بما هم عقلاء ، فان سيرة العقلاء قد استقرّت على العمل بخبر الثقة في جميع امورهم ، ولم يردع عنها الشارع ، فانّه لو ردع عن العمل بخبر الثقة لوصل إلينا ، كما وصل منعه عن العمل بالقياس ، مع أنّ العامل بالقياس أقل من العامل بخبر الثقة بكثير ، وقد بلغت الروايات المانعة عن العمل بالقياس إلى خمسمائة رواية تقريباً (١) ، ولم تصل في المنع عن العمل بخبر الثقة رواية واحدة ، فيستكشف من ذلك كشفاً قطعياً أنّ الشارع قد أمضى سيرة العقلاء في العمل بخبر الثقة.
فتحصّل ممّا ذكرناه : أنّ العمدة في دليل حجّية الخبر هي سيرة العقلاء الممضاة عند الشارع ، ولا يرد عليها شيء من الاشكال إلاّتوهم أنّ الآيات الناهية عن العمل بغير العلم رادعة عن هذه السيرة ، وقد أفاد في الكفاية (٢) متناً وهامشاً في دفع هذا التوهم وجوهاً :
الوجه الأوّل : ما ذكره في المتن ، وهو أن كون الآيات رادعة عن السيرة متوقف على عدم كون السيرة مخصصة لها ، وإلاّ فلا تشملها ، وعدم كونها مخصصة لها متوقف على كونها رادعة عنها ، فكون الآيات رادعة عن السيرة مستلزم للدور. ثمّ أورد على نفسه بأنّ إثبات حجّية الخبر بالسيرة أيضاً دوري ،
__________________
(١) منها ما روي في الوسائل ٢٧ : ٣٥ / أبواب صفات القاضي ب ٦ والمستدرك ١٧ : ٢٥٢ / أبواب صفات القاضي ب ٦ وبحار الأنوار ٢ : ٢٨٣ / كتاب العلم ب ٣٤
(٢) كفاية الاصول : ٣٠٣ و ٣٠٤