حينئذ. واجتهادهم في ذلك ليس حجّةً لنا. وكذا الحال في طرف الإعراض ، فإن كان اللفظ ظاهراً في معنىً في نظرنا ، وحملها جماعة من العلماء على خلافه ، واحرز أنّ حملهم مستند إلى حاق اللفظ لا إلى ظنونهم واجتهاداتهم ، يستكشف بذلك أنّ اللفظ ليس ظاهراً في المعنى الذي فهمناه ، بل هو خلاف الظاهر ، فانّ خلاف الظاهر هو ما يفهم العرف خلافه من اللفظ.
أمّا الجهة الثالثة : وهي ترجيح أحد الدليلين المتعارضين على الآخر بالظن غير المعتبر ، فقد التزم به شيخنا الأنصاري قدسسره واستدلّ له بوجهين مذكورين في الرسائل (١).
ولكن الصحيح عدم صحّة الترجيح بالظن ، لأنّ أخبار الترجيح كلّها ضعيفة سنداً أو دلالةً ، إلاّرواية الراوندي (٢) الدالة على الترجيح بموافقة الكتاب أوّلاً ، وبمخالفة العامّة ثانياً فلا وجه للتعدي إلى الترجيح بالعدالة والوثاقة وغيرهما ممّا هو مذكور في الأخبار العلاجية ، فضلاً عن التعدي إلى الترجيح بمطلق الظن. وكذا الحال في أخبار التخيير ، فانّها أيضاً غير تامّة ، فلا وجه للالتزام بالتخيير بين الخبرين المتعارضين ، كما لا وجه لترجيح أحدهما على الآخر بالظن ، بل يسقط كلاهما عن الحجّية ، لعدم إمكان شمول دليل الحجّية للمتعارضين ، لعدم معقولية التعبّد بالمتناقضين أو بالمتضادين ، ولا لأحدهما لبطلان الترجيح بلا مرجّح ، فلا بدّ من رفع اليد عن كليهما والرجوع إلى عام أو مطلق فوقهما ، ومع عدمهما كان المرجع هو الاصول العملية. وقد تعرّضنا لتفصيل ذلك كلّه في بحث التعادل والترجيح من كتابنا هذا (٣).
__________________
(١) فرائد الاصول ١ : ٣٤٣ ، ٢ : ٨١٤
(٢) الوسائل ٢٧ : ١١٨ / أبواب صفات القاضي ب ٩ ح ٢٩
(٣) راجع الجزء الثالث من هذا الكتاب ص ٤١٧