التنبيه الثاني
لا إشكال في حسن الاحتياط في الواجبات التوصلية ، فانّ المقصود فيها تحقق ذات العمل ، فالاحتياط فيها نوع من الانقياد للمولى. وكذا الحال في العبادات فيما إذا احرز أصل الرجحان وتردد الفعل بين الواجب والمندوب ، فانّ الاحتياط ممكن باتيان العمل بداعي أمره الواقعي.
والاشكال فيه من ناحية قصد الوجه مندفع أوّلاً : بأ نّه غير معتبر كما حقق في محلّه (١). وثانياً : بأ نّه على تقدير التسليم مختص بصورة الامكان ، وأمّا إذا لم يحرز الرجحان ودار الأمر بين الوجوب والاباحة ، فلا يمكن إحراز محبوبية العمل ، فانّه إن أتى به بداعي الأمر كان تشريعاً ، وإن أتى به بغير ذاك الداعي فلم يأت بالعبادة المقيّدة بقصد الأمر ، ومن هنا ربّما يستشكل في جريان الاحتياط في هذا النوع من العبادات.
وتوهم أنّه يستكشف ثبوت الأمر من حكم العقل بحسن الاحتياط بقاعدة الملازمة أو بنحو الإنّ ، مدفوع بأنّ حكم العقل بحسن الاحتياط لا يثبت موضوعه وإمكان الاحتياط ، فانّ حكم العقل والشرع جاريان على نحو القضايا الحقيقية وبيان للكبرى فقط ، ولا تعرّض لهما لبيان الصغرى وتحقق الموضوع خارجاً.
والتحقيق أن يقال : إنّ الاشكال المذكور مبني على أنّ عبادية الواجب متوقفة على الاتيان به بقصد الأمر الجزمي ، وليس الأمر كذلك إذ يكفي في عبادية الشيء مجرّد إضافته إلى المولى ، ومن الواضح أنّ الاتيان بالعمل برجاء
__________________
(١) في ص ٨٧ ـ ٨٨ ، راجع أيضاً شرح العروة ٥ : ٤٢١ ـ ٤٢٣