عن الرجوع إلى البراءة الشرعية أيضاً.
أمّا الوجه الأوّل : فلأنّ الغرض الواصل بالعلم الاجمالي لو لزم تحصيله على كل تقدير كما هو المفروض ، فلا ينفع الرجوع إلى مثل حديث الرفع مع الشك في حصول الغرض باتيان الأقل ، إذ غاية ما يدل عليه حديث الرفع ونحوه من أدلة البراءة الشرعية هو رفع الجزئية عن الجزء المشكوك فيه ظاهراً ، بمعنى عدم العقاب على تركه ، ومن المعلوم أنّ رفع الجزئية عن الجزء المشكوك فيه ظاهراً لا يدل على كون الغرض مترتباً على الأقل.
وبعبارة اخرى : أصالة عدم جزئية المشكوك لا يترتب عليها كون الغرض مترتباً على الأقل ، لعدم كونه من آثاره الشرعية ، فاحراز كون الغرض مترتباً على الأقل بها مبني على القول بالأصل المثبت ولا نقول به ، فيجب الاتيان بالأكثر لاحراز حصول الغرض.
وبعبارة ثالثة : بعد الالتزام بوجوب تحصيل الغرض بحكم العقل وكون المكلف معاقباً بترك تحصيله ، لا ينفع الرجوع إلى مثل حديث الرفع ، لكونه دالاًّ على عدم العقاب بترك الجزء المشكوك فيه ، لا على رفع العقاب بترك تحصيل الغرض. نعم ، لو كان ما دلّ على رفع الجزئية من الأمارات الناظرة إلى الواقع لترتبت عليه لوازمه العقلية ، فيحكم بترتب الغرض على الأقل ، لحجّية مثبتات الأمارات دون الاصول على ما ذكر في محلّه (١) ، كما أنّه لو كان دليل البراءة الشرعية وارداً في خصوص دوران الأمر بين الأقل والأكثر لزم الحكم بكفاية الأقل وترتب الغرض عليه صوناً لكلام الحكيم عن اللغوية. وأمّا إذا لم تكن أدلة البراءة من الأمارات الناظرة إلى الواقع ، بل من الاصول الناظرة إلى تعيين
__________________
(١) لاحظ الجزء الثالث من هذا الكتاب ص ١٨٦